الأربعاء، 08 يناير 2025

05:54 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

tru

أحمد الكومي يكتب.. تفكيك النموذج المعرفي الغربي

أحمد الكومي

أحمد الكومي

A A

منذ فترة تابعت برنامجا أمريكيا مشهورا، وهو يقوم على فكرة أن الزوج الذي يشك في نسب أبنائه يذهب إلى البرنامج ويطلب منهم التأكد من نسب أبنائه، فتقوم أسرة البرنامج بإحضار الزوجة وأخذ عينة DNA من الأبناء وربما من الأصدقاء والمعارف الذين يشك فيهم الزوج.

تابعت عدة مواسم من البرنامج، وفي أغلب الحالات الأبناء ليسوا من الزوج باستثناء عدد قليل جدا، منهم حالة اعترفت بخيانته مع أخيه قبل إظهار نتيجة التحليل، لكن المفاجأة أن الطفل هو ابن زوجها، مما أصابها بصدمة لأن زوجها كان غاضبا من خيانتها.

في أحد الحالات كان الزوج يشك في صديقة المقرب، وكان لدية 3 أبناء، كشف تحليل الـ DNA أن الأبناء الثلاثة ليسوا أبنائه، وأن كل واحد منهم من أب مختلف، وأن صديقه برئ لأنه لا أحد من الأبناء الثلاثة من صلبة.

إن المجتمع الأمريكي انتقل تدريجيا منذ السبعينيات إلى نموذج مادي علماني حلولي كموني يبحث عن المنفعة المادية في المطلق دون أي بواعث أخلاقية (من ضمنها المتعة الجسدية)، ومجرد من العاطفة، فالإنسان مادة استعمالية بلا روح.

عندما ننطر إلى النموذج الحضاري الغربي من خلال منهج التحليل المعرفي للدكتور عبد الوهاب المسيري نجد أنها حضارة مادية تحويلية تنظر إلى العالم باعتباره مادة استعمالية يمكن تحريكها وتوظيفها.

الدكتور عبدالوهاب المسيري بنماذجه التفسيرية وضع مفهومين شاملين لتفسير النموذج الحضاري الغربي الحديث، وهما مفهوم «الحلولية الكمونية» والذي يعبر عن رؤية أن الإله والإنسان والطبيعة مكون من جوهر واحد، فلا فرق بين الإنسان والطبيعة، ومفهوم «العلمانية الشاملة» والذي يعزل الحياة بأسرها عن أي تفسير ديني، ويرى أن العقل والحواس الخمس هم فقط المفسر للحياة، فالعالم مرجعية لذاته بحسب رؤية هذا النموذج.

الحضارة الغربية ترى الإنسان والعالم مادة استعمالية لا قداسة له ويمكن تحريكه وتوظيفه، وذلك لعدم وجود قيمة مطلقة لأي شيء، فالطبيعة وجدت ليهزمها الإنسان، والإنسان كيان مادي حركي لا يختلف عن الكيانات الأخرى، ويمكن نقله وتوظيفه وتسخيره.

ومن ضمن الأفكار التي تجذرت بعمق في الوجدان الغربي هي فكرة الترانسفير، فالإنسان الغربي لا يستطيع رؤية الطبيعة البشرية إلا في إطار الترانسفير، فالإنسان قادر على تغيير منظومته القيمية بسرعة، وليس لديه ولاء لشيء، ويرفض المطلقات والثوابت، ويخضع العلاقات للمصلحة، والقيم للتداول.

إن الجنس العرضي في النموذج الغربي يعد شكل من أشكال الترانسفير، يعاشر الذكر الأنثى خارج إطار الزواج ودون وجود علاقة عاطفية بينهما، لأن الذكر والأنثى مادة استعمالية توظف لتحقيق اللذة (المنفعة المادية).

وأحيانا يكون الجنس كنوع من تبادل المنفعة المستمرة خارج إطار الزواج، مثل لاعبي الكرة الأغنياء، يتخذ فتاة تستمر معه سنوات ثم يقرر بعد فترة طويلة من العلاقة،  وربما يكون لديهم أبناء، ما إذا كان سيتمر معها فيتفقا على الزواج أو تنتهي العلاقة بينهما.

وفى ظل هذا الإطار نلاحظ أن كلمة حب بالإنجليزية في الأفلام والواقع الغربي لم تعد تشير إلى علاقة عاطفية بقدر ما تشير إلى ممارسة الحب أي الجنس.

إذا كان النموذج الحضاري الغربي يرد كل شيء إلى المادة وهي أصل كل شيء، والإنسان ظاهرة مادية، إذا ما هو تصورهم عن الله، في النموذج الحضاري الغربي الحديث إما الله غير موجود وهم نسبة كبيرة جدا من الماديين، أو الله موجود ولا علاقة له بالمنظومات المعرفية.

هذه المقاربات التفسيرية تنطبق على النموذج في عمومة، ولكن لا يعني هذا أن تنطبق على كل فرد داخل النموذج، فقد يوجد داخل المنظومة من هو ليس مادي بالمعنى الشامل، وقد يوجد من يؤمن بثنائية الروح والجسد وأن الروح جانب جلي واضح على كل إنسان.

search