الخميس، 09 يناير 2025

08:59 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

محمد صبرى

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

محمد صبرى

tru

مها عبد القادر تكتب.. الحوار البناء

مها عبد القادر

مها عبد القادر

A A

يُعد الحوار البناء أحد أعمدة التواصل الإنساني الناجحة، وأداة فعالة لتحقيق التفاهم والتعاون بين الأفراد والمجتمعات، في عالم يزداد تعقيدًا بتنوعه الثقافي والفكري، وقد أصبح الحوار البناء ضرورة لتجاوز الخلافات وبناء جسور التفاهم، وهو أسلوب للتواصل وثقافة متكاملة تسهم في توفير بيئة أكثر تفاهمًا وانسجامًا، وتتمحور قوة الحوار البناء حول الإصغاء المتبادل واحترام الاختلافات الفكرية، مما يجعله وسيلة لتجنب النزاعات وتحقيق التوافق بعيدًا عن الجدال العقيم أو التراشق بالألفاظ؛ فالحوار البناء ركيزة أساسية للتفاهم الإنساني والتسامح والتعايش، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكا وقدرة على مواجهة التحديات في عالم مليء ويعج بالتغيرات والتحديات، ويبقى الحوار البناء هو السبيل الأمثل للتغلب على الفجوات وبناء المجتمعات القوية، وضرورة حتمية لضمان التفاهم الإنساني، والعمل المشترك على إيجاد حلول مستدامة تخدم الجميع ووسيلة لتحقيق السلام والتنمية المستدامة.

وتلوح في الأفق مزايا وثمرات الحوار البناء التي تهدف دومًا إلى تحقيق غايات حميدة تكمن في إظهار وإقراره، والتعاون المشترك في نصرته ومن ثم تزول وتتلاشى الشكوك وتتبدد المزاعم والأباطيل التي لا سند لها وتفتقر للدليل وليس لها مقام من الصحة، وهذا من شأنه يدحض الباطل ويكسر غلافه الواهي، ومن ثم هناك إعلاء آداب للحوار تسهم في إنجاحه لا بد من إعلائها والتمسك بتلبيبها بقوة وإرادة يُسهمان في نجاحه، مما يٌسهم في إمكانية تحقيق الأهداف النبيلة وبناء مجتمع متماسك ومُحترم.

وجدير بالذكر أن الحوار، بوصفه وسيلة للتواصل الفعّال، يعتمد بشكل كبير على مجموعة من الآداب التي تُعتبر حجر الأساس لنجاح العملية الحوارية وتحقيق أهدافها المرجوة، ومن أبرز هذه الآداب التي تُفضي إلى انسجام فكري بين الأطراف، وعليه ينبغي فقهها والالتزام بها لتحقيق الغاية المرتقبة من الحوار البناء؛ فالتواضع واحترام الآخر يُظهر الانفتاح على وجهات النظر المختلفة ويُشجع التفاهم، مما يؤدي إلى فهم أعمق وتقبل للأفكار المختلفة ومن ثم تحقيق الانسجام الفكري، كما يعد الاستماع الجيد والإصغاء بانتباه ووعي من الآداب الأساسية التي تحسن جودة الحوار ويُشعر المتحدث بالتقدير، مما يُحفز على مشاركة أفكار أكثر وضوحًا وعمقًا، ويُقلل من سوء الفهم.

 ويُعد التعبير والإقرار بجودة الأفكار المدعومة بأدلة قوية وصحيحة من الأمور التي تؤسس للاحترام المتبادل بين المتحاورين، وهذا النوع من التفاعل يُظهر تقديرًا للجهود الفكرية ويشجع على المزيد من النقاش البناء بعيدًا عن التعصب، ويركز على محتوى الحوار بدلاً من الأشخاص وهذا يساعد في تقليل النزاعات ويدلل علي الاتفاق الفكري، ومن المهم لإقامة حوارًا ناجحًا الصبر عند مواجهة وجهات نظر مختلفة؛ فالصبر وتقبل الآخر يُسهم في تأكيد الفهم المتبادل ويساعد في إيجاد حلول وسطية تُرضي جميع الأطراف مما يؤدي إلى نتائج إيجابية، ويقوي من العلاقات الإنسانية، ويدعم التماسك الاجتماعي، مما يُفضي إلى تحقيق أهداف مشتركة وتطور فكري مثمر.

وتُعد الأخطاء جزء من الطبيعة البشرية، وهي ليست مستنكرة بحد ذاتها، بل تصبح مشكلة عندما تتكرر عمدًا؛ ويعد تكرارها سلوكًا غير قويم، ومن ثم بات من الضروري أثناء الحوار أن يبتعد المتحاورون عن ممارسة التجريح، والتماس العذر للطرف المخطئ، وتوجيهه بلطف مستند إلى الأدلة والبراهين حتى يعود لصوابه، هذا السلوك يعكس احترامًا متبادلًا ويُوجد بيئة حوارية صحية تسهم في الوصول إلى حلول واقعية، مما يتيح الفرصة لوجود حوار يُحترم فيه المتحدث وتتاح له الفرصة للتعبير عن أفكاره دون مقاطعة؛ فالمقاطعة لا تؤدي فقط إلى تعطيل تدفق الحديث، بل قد تشعر الطرف الآخر بالإحباط، مما ينعكس سلبًا على مسار النقاش.

حيث يعكس الإنصات والاستماع الجيد اهتمامًا حقيقيًا ويمنح المتحدث شعورًا بالتقدير، ويتيح للمستمع فهم الموضوع بصورة أفضل، مما يثري النقاش؛ فالحوار البناء فرصة قيمة يجب استغلالها بحكمة مع التركيز على القضايا محل النقاش دون التشتت أو الانحراف عنها لتحقيق الأهداف المرجوة، وهذا لا يعني أن يتحدث طرف دون الآخر؛ بل يتطلب توزيع الفرص بالتساوي ليُعبر كل مشارك عن آرائه وأفكاره ومع الالتزام بهذا المبدأ يوجد نوع من التوازن الفكري واستعدادية للتفاعل مع الآراء المطروحة، مما يؤدي إلى تحقيق فهم مشترك وبناء رؤية شاملة حول الموضوع، وهنا نؤكد أن نجاح الحوار البناء يعتمد على الالتزام بالقيم الأخلاقية مثل التسامح، والاحترام، والموضوعية، وهذه القيم ليست فقط أساسًا لتحقيق نقاش مثمر، بل تُعضد أيضًا العلاقات الإنسانية وتوفر بيئة تفاعلية قائمة على الفهم والتقدير المتبادل، وهنا دعوة لنستثمر فرص الحوار كوسيلة للتعلم والنمو الجماعي، ونبتعد عن السلوكيات التي تعيق تحقيق هذا الهدف النبيل.

ويتطلب الحوار البنّاء أُسسًا واضحة ومرجعية يحتكم إليها المتحاورون عند ظهور الاختلافات ووجود هذه المرجعية لا تقتصر على كونها عنصرًا تنظيميًا فقط، بل تمثل وسيلة لإذابة الخلافات وتأكيدًا للفهم المشترك؛ فالخلافات الفكرية طبيعية في أي حوار، ولكن تجاوزها يتطلب وجود مرجعية نحتكم اليها مع الاعتماد على الأصول والمصادر الصحيحة والموثقة للمعلومات، وهذه المصادر تمثل قواعد ثابتة يُبنى عليها النقاش، وتساعد على تجنب الجدل العقيم الذي قد ينشأ عن المعلومات الخاطئة أو غير الموثوقة، وبالطبع يسهم ذلك في تبني محكات من شأنها أن تذيب نقاط الخلاف بين المتحاورين، وكثيرًا ما تنشأ الخلافات بسبب غياب الاتفاق على تعريف المصطلحات والمفاهيم التي يدور حولها النقاش، من هنا لابد من توضيح المعاني كخطوة أساسية لتهيئة أرضية مشتركة ونقطة انطلاق قوية تعمل على تقوية الروابط بين المتحاورين ودفع وبناء الأفكار في الاتجاه الصحيح.

مما سبق نؤكد أن الاحتكام إلى مرجعية متفق عليها يذيب نقاط الخلاف ويحولها إلى فرص للتقارب، كما أن الاتفاق على المعاني والمفاهيم يُقلل التباينات بشكل ملحوظ ويعمل على تقوية الروابط الفكرية والوجدانية بين الأطراف المتحاورة؛ ومن ثم يُعد هذا الاتفاق ليس خطوة شكلية، بل هو نقطة انطلاق تُوجه الفكرة نحو الهدف المطلوب، فعندما يكون النقاش مبنيًا على أسس واضحة ومفهومة للجميع، يتحقق التقدم بشكل أكثر فعالية ويُسهم في إنجاح الحوار وإثرائه، وهنا يتضح أن وجود مرجعية واضحة والاتفاق على المصطلحات هما من أهم ركائز الحوار البناء فهما لا يقتصران على تقليل الخلافات فحسب، بل يعملان أيضًا على توجيه النقاش نحو تحقيق أهدافه بشكل أفضل.

كما يعتمد الحوار الناجح على أدوات وأساليب تسهم في تنمية المنطق والتفكير البناء بين المتحاورين وباتت الشواهد والتدرج في الحوار ركيزتان لتنمية التفكير والمنطق لدى المتحاورين ويبعدهم بالكاد عن التخبط والعشوائية، فهي تُعد عمودًا فقريًا للحوار المنطقي، حيث تعمل على دعم الآراء المطروحة وجعلها أكثر إقناعًا وتحث على الابتعاد عن التخبط والعشوائية في الطرح مما يعكس قوة الفهم والقدرة على تقديم الحجج بطريقة مدروسة إلى جانب أهمية التدرج المنظم في تناول القضايا، ومن ثم تصحيح الفهم الخاطئ من خلال تقديم أدلة موثوقة، مما يمكن من تصويب المفاهيم المغلوطة والقضايا الشائكة، ويساعد الأطراف على الوصول إلى رؤية أوضح وأعمق.

وبهذا يرفع النقاش المستند إلى أدلة مستوى الحوار، ويُشجع علي التفكير النقدي والتحليلي، ويتعلم المتحاورون من خلاله كيفية تقييم المعلومات والحكم عليها بناءً على مصداقيتها وقيمتها، فعندما يكون الاستناد إلى أدلة واضحة جزءًا من الحوار، يصبح الالتزام بالأمانة في نقل المعلومات ضرورة لا غنى عنها، مما يقوي الثقة بين المتحاورين، كما أن التدرج المنظم يساعد في تناول الموضوعات بطريقة مرتبة ومنسقة بدءًا من نقاط التلاقي مما يوفر جوًا إيجابيًا، ويمهد الطريق للوصول إلى نقاط الخلاف بشكل سلس؛ فالانتقال التدريجي في الحوار يجعل الأطراف أكثر تقبلًا للنقاش حول القضايا الخلافية، حيث يشعر الجميع بالإنصاف والاحترام أثناء عرض الآراء.

وفي النهاية اتباع منهجية منظمة في الحوار يجعل عملية الإقناع أكثر سهولة، حيث يتم تقديم الأفكار بشكل منطقي ومتسلسل يترك أثرًا إيجابيًا لدى الطرف الآخر، كما أن الجمع بين تقديم الشواهد واعتماد التدرج في الحوار يُنتج نقاشًا مثمرًا يدعم الوصول إلى حلول وسطية وهذا التكامل يُؤكد فهم القضية المطروحة ويجعل الحوار أداة للتقارب والتفاهم بدلاً من وسيلة للخلاف والتنافر، وهذا يوضح أن الاستناد إلى الشواهد والتدرج في الحوار ليسا مجرد أدوات للنقاش، بل هما وسيلتان لبناء جسور الثقة والتفاهم بين المتحاورين، وباتباع هذه الركائز، يصبح الحوار أداة فعالة لتقريب وجهات النظر، ويُنمي التفكير، يعمل علي وإثراء النقاش حول القضايا المشتركة.

وجدير بالذكر أن نجاح الحوار مع الآخر وجعله بناءً يكمن في اعتماده بشكل كبير على توافقه واتساقه مع الإطار الأخلاقي الذي يحكم العلاقات الإنسانية؛ فالحوار البناء لا يهدف إلى إثبات الذات أو فرض الرأي، بل إلى تحقيق المصلحة العامة والخاصة، وتحقيق التفاهم والتعاون وليس للفرقة والخلاف وإثبات الذات وفرض الرأي، فالحوار البناء يرتكز على الأخلاق وآداب النقاش، بحيث يصبح وسيلة لتبادل الأفكار وتحقيق المصالح المشتركة بدلًا من أن يكون ساحة للجدل العقيم أو الصراعات الشخصية، مع التركيز على القيمة العلمية والفكرية للحوار بحيث يثري العقول وينير الطريق نحو حلول فعالة لتقدم الأفراد والأمم، فلنحرص على أن يكون حوارنا دائمًا بنّاءً، مثمرًا يثري عقولنا ويعمق إنسانيتنا.

search