أحمد الكومي يكتب.. إبراهيم الكوني الأب الروحي لأدب الصحراء
أحمد الكومي
الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني، أديب الصحراء، أكثر من عبر بأسلوب بالغ الرهافة والعمق عن الصحراء، لم يكتفي الكوني عند حد وصف حياة الناس في الصحراء، بل قدم رؤية فلسـفية بالـغة العمق عن الصحراء.
عبر في روايته «نزيف الحجر» عن التفاعل المستمر بين ابن الصحراء والحيوان، الصحـراء عند الكوني كنز، فضاء يتجلى فيه الجوهر الإنساني، في هذه الرواية صور العلاقة كصراع مستمر، بينما في رواية «التبر» صور علاقة الإنسان بالحيوان على أنها علاقة أخوية وثيقة.
وفي روايـة (المجـوس) عبر عن الطوارق سكان صحراء جنوب وجنوب غرب ليبيا في مواجهة الطبيعة بين ثنائية الحياة والموت، العيش والفناء، الوجود في الطبيعة والتيه في الصحراء، إنسان يتفاعل مع الطبيعة ليس باعتبارها جمادات لها دوال لغوية وإنما كائن حي يتعاطى معه باستمرار، بل إن الكاتب عبر عن حس ابن الصحراء بالطبيعة حين قال: «لن يذوق طعم الحياة من لم يتنفس هواء الجبال».
ينقل لنا الكوني دراما وأساطير الصحراء في رواية (فم)، فتدور معظـم رواياته حول علاقة الإنسان بالصحراء وموجوداتها، أما رواية «البحث عن المكان الضائع» فاتخذ بعدا ميتافيزيقيا، لتجد نفسك أمام ملحمة أسطورية تحمل دلالات رمزية، فالزمن مفتوح والمكان شاسع والشخصيات بلا ملامح لينتهي المطاف بالبحث عن المكان الضائع والذي يجد فيه حقيقة الزمان، وفي رواية «ناقة الله» يستخدم الجمل في رمزية تقود إلى النجاة في الصحراء.
تعود أصول إبراهيم الكوني إلى قبائل الطوارق وهم من أصول أمازيغية، يتخذون من الصحراء الإفريقية الممتدة بين ليبيا والجزائر موطنا لهم (أكثر من 85% على حسب بعض التقديرات)، بالإضافة إلى بعض الدول الإفريقية بالصحراء الكبرى (مالي، النيجر، بوركينا فاسو)، ويعيش طوارق ليبيا بمنطقة في غرب وجنوب غرب البلاد خاصة في مدن غات وأوباري وغدامس، وطوارق الجزائر بمنطقة الهقار، وهم مسلمون سنة يتبعون المذهب المالكي.
ويشتهر الطوارق بارتداء الرجال للثام، ويري إبراهيم الكوني أن أصل اللثام يعود إلى اعتبار الطوارق أن الفم عورة لأنه الخطيئة الأولي.
إن إبراهيم الكوني نبش في ذاكرة الصحراء فأخرج أسرارها ثم قذفها أمامنا، لعلي أطلقت لقبا للروائي إبراهيم الكوني وهو قاموس الصحراء أو الأب الروحي لروايات الصحراء، قرابة نصف قرن يكتب فيها عن الصحراء برموزها وعجائبها وموجوداتها.
ذات يوم سألني صديقي كيف تفهم رموز روايات الصحراء عند إبراهيم الكوني؟ قولت له، ربما لأنني عشت في صحراء ليبيا عامين عندما كنت طفلا، فوالدي كان طبيبا هناك، فعشت قساوة وتقلبات الصحراء، إنها في عالمي تجمع بين الحياة القاسية الخشنة وتأمل السكون في الطبيعة، بين سعة التيه في الصحراء وسعة التفاعل مع موجوداتها، لست بصدد الحكم على نظرة الكاتب لكن في تجربتي خلال عامين في صحراء جنوب ليبيا كانت محاولة غريب لين للتكيف بين عالم قاسي لا يقبل الغرباء، بينما عالم إبراهيم الكوني بين الطوارق كفارس يسبر أغوار الصحراء فيكشف أسرارها.
الصحراء عند إبراهيم الكوني مفتاح التأويل، أليست الصحراء تشكل حيزا ضخما في الوجود، إذا لماذا لا يحتفي الكوني بها وينسج خيوط رواياته حولها لتعرية أسرارها.
أبرز ما يعجبني في خطاب الكوني الروائي هو الرؤية الفلسفية الدلالية في النص الأدبي، صحيح أن الصحراء شكلت وجدان الروائي ورآها كنز فقال عنها: «في البدء كانت الصحراء»، لكن رغم توسع عالمها إلا أنني لا أعتقد أنها الفردوس المفقود كما يعتقد الروائي.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
ما هي توقعاتك لمباراة ليفربول ضد توتنهام في كأس الرابطة الإنجليزية؟
-
فوز ليفربول
-
فوز توتنهام
-
تعادل الفريقين
أكثر الكلمات انتشاراً