عصام عبد القادر يكتب.. غذاء الوجدان
عصام عبد القادر
يُعرف الاتجاه بأنه امتزاج البُعد المعرفي مع الانفعالي، ويترجمه السلوك الذي يصدر عن الفرد، وفي ضوء تلكم الماهية نشير إلى أن الإنسان يكتسب الاتجاه بالتعلم، وأن التنبؤ بالسلوك يمكن من خلاله، وأن مؤثرات تشكيله عديدة يدخل فيها متغيرات البيئة المحيطة، وأن الاتجاه في حد ذاته يشكل استعدادا للفرد للاستجابة.
وتغذية اتجاهات الوجدان تقوم على جوانب غير محدودة؛ حيث يتحقق في الاهتمام بمشاعر الإنسان، وآرائه، واحترام معتقده، وتقديره، وإذا ما أردنا أن نشكل اتجاهات إيجابية لدى الإنسان؛ فإنه يستلزم أن نكسبه مهارات التفكير التي تجعله قادرًا على البحث، والاستقصاء، ولا يتقبل ما يتواتر عليه من معارف، دون فلترتها، وتمحيصها، وإخضاعها للنقد، والتأمل؛ فما يتوافق منها مع العقل، والمنطق فإنهما يقبلاه، وما يعارضهما بإثبات الشاهد، والدليل فإنهما يرفضاه؛ حيث إنهما لا يقبلان ما يتخلله الشك، والتشكيك.
ويرتوي الاتجاه بمزيد من حب الاستطلاع، والرغبة، وشغف الإنسان في أن يتفهم، ويتعقل الجديد من المواقف، والمعارف، التي تضيف إلى البِنَى المعرفية لديه، وتسهم في إكسابه خبرات جديدة تمكنه من الإجابة عن تساؤلات قد تبدو في ظاهرها غير مألوفة، وهنا يستطيع الفرد أن يشارك في تحليل، وملاحظة ما يدور من حوله، وهذا ما نسميه النضج، أو مرحلة اكتمال الخبرة.
ومن ثمار العمل على تغذية الوجدان فيما يخص الاتجاهات أن يصل الإنسان لمرحلة المرونة في التفكير؛ فلا يبقى منغلقًا، أو جامدًا، أو متلقيًا؛ لكنه يطالع الجديد من الفكر، ويتقبل الحسن منه، والذي يتوافق مع نسقه القيمي، ومعتقده الوسطي، وهذا سر من أسرار التواصل الآمن مع الغير؛ حيث نضمن سلامة الأذهان من آثار، ومؤثرات الفكر المشوب، أو المنحرف.
وعندما تزدهر اتجاهات الإنسان في صورتها الإيجابية، فإنه يصبح مهتمًا بمرحلة الفهم العميق، والتفسير الذي لا يتعارض مع منطقه، والذي يساعده في نبذ كل وافدٍ، أو مستوردٍ يخالف ثوابته، كما إنه يؤكد على الأمانة في القول، والنقل؛ فالمصداقية من سماتها الموضوعية التي تدل على نزاهة الفكر، والبعد عن الذاتية، أو ما نسميه بالهوى النابع من حب النفس.
والاتجاهات الإيجابية التي نغذيها بمعارف صحيحة، وتترجمها ممارسات قويمة تجعل الإنسان متريَّثًا، يتجنب الإسراع في إصدار حكمٍ، دون الوثوق في شاهدٍ، أو دليلٍ يتأكد من سلامته، وهذا يجعله دومًا يتحصل على نتائج محققة، لا تزييف فيها، ولا تبديل، وتلك مقومات العقلية المنتجة التي تنطلق من مراكزها الأفكار، التي تنهمر دون توقف.
نحن في أمس الحاجة إلى أن نقدم للإنسان خبراتٍ مفيدةٍ تساعده في تشكيل اتجاهٍ إيجابيّ يسهم في تنمية مقدرته على حل ما يواجه من قضايا، ومشكلات، بل ويجعله يعتاد الطرائق المعروفة في حلها، بدايةً من الإحساس بها، وانتهاءً باختيار الأفضل، وتجريبه؛ ليطمئن قلبه، وهنا نعمل بصورة ممنهجة على بناء شخصية، يمكن أن نصفها جميعًا على أنها ذات عقلٍ رشيدٍ.
والاتجاه الإيجابي الذي نرغب في تكوينه لدى الإنسان يجعلنا نحسن تقديم النماذج التي يستلهم منها القدوة، ونبل القيمة، والخلق الحميد، بل ويؤصل لديه مكنون ثقافته، وسبر غور حضارته حتى يتكون لديه رصيدٌ معرفيٌّ، وخبراتي، يصبح من خلاله موجهًا للسلوك القويم الذي يؤكد من خلاله الحفاظ على عاداته، وتقاليده، ويحثه على بذل الجهود من أجل ترسيخهما، ومحاربة كل من يحاول النيل منهما.
ولندركْ جميعًا أن من أساليب تنمية الاتجاهات المرغوب فيها أن نصمم المواقف، والأنشطة التي تتطلب العمل الجماعي، وروح الشراكة في بلوغ الهدف، ومن خلاله يمارس الإنسان مع ذويه الاستقصاء، والاستنتاج، والاستنباط الجمعي؛ ليصنعَ، ويتخذَ القرار الذي تقع مسئوليته، ومخاطره على الجميع دون استثناء، وهذا ما يُهيأ الفرد للمشاركات على نطاقٍ واسعٍ، ويمكنه من التوافق، والتكيف مع العمل التشاركي، ويحفّزه على الإنتاجية في خضم فلسفة التعاون؛ فيتخلى عن أنانيته، ويصبح قويَّا بغيره، وبنفسه.
إننا نستشعر سويًا أهمية البيئاتِ الداعمةِ للاتجاهات الإيجابية؛ حيث إن ترغيب الإنسان في المزيد من الاستفسار؛ للبحث عن إجابات، قد تقبع في ذهنه، ولا يحاول إخراجها لمسببات عديدة، وهنا نرى أهمية بالغة؛ لفتح مساراتٍ؛ لطرح ما يدور في الذهن من تساؤلات، وهذا يُفرض علينا أن نصبح متقبلين، وصابرين على كل ما يصدر من تساؤلاتٍ، ولو كانت في ظاهرها بسيطة، أو حتى غير منطقية؛ فالتساؤل موقف محيّرٌ لمن يمتلكه، ومن ثم يبحث على إجابه له.
وأرى على حد مسئوليتي أن ذوات الاتجاهات الإيجابية إذا ما قدمنا لهم الغذاء الناجع، فسوف يكون لدينا مثقفون، وفلاسفة، ومبتكرون، ومهرةٌ في شتى المجالات، بل القادة المؤهلون؛ لتوجيه سفينة الوطن في بحور النهضة، ومحيطات الإعمار.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
الأكثر مشاهدة
ما هي توقعاتك لمباراة ريال مدريد وريال مايوركا في كأس السوبر الاسباني؟
-
فوز ريال مدريد
-
فوز ريال مايوركا
أكثر الكلمات انتشاراً