الخميس، 26 ديسمبر 2024

02:51 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

tru

الدكتور عصام عبد القادر يكتب.. العلاقات منتهية الصلاحية

عصام عبد القادر

عصام عبد القادر

عصام عبد القادر

A A

برؤية متواضعة أعتقد أن العلاقات الإنسانية السوية تقوم على مبدأ وفلسفة واضحة المعالم، تتمثل في تعزيز أواصر المحبة والترابط بين الإنسان، وأخيه الإنسان، وأن عملية التواصل التي تحكمها منظومة القيم والخلق الحميد، تقوى بمرور الزمن، وأن الاندماج الذي يتمخض عنه منافع مشروعة، سواءً أكانت متبادلة أم من طرف واحد، يأخذ الاتجاه الطردي؛ حيث يصبح العطاء ممتدًا، لا تستوقفه المصلحة أو النفعية، أو تقوضه فكرة التبادل المبنية على تحديد ثمرة لها مواصفات يحددها طرف من الأطراف.


ولدي قناعة بأن صورة العلاقات السوية التي تخلق مناخًا داعمًا يسهم في رفع الروح، ويؤدي لمزيد من الطمأنينة المتبادلة، ويعمل على استقرار النفوس؛ لتصبح هادئة، لا يشوبها ما يتسبب في تعكير الصفو؛ ومن ثم فقد بات التمسك بهذه النوعية من العلاقات أمرًا حتميًا؛ حيث يحمينا من منابع ومصادر الشرور الداخلية والخارجية على حد سواء؛ فلا نعاني من مسببات التفكير السلبي، ولا نتأثر بممارسات الآخرين غير المحسوبة المقصودة منها والتلقائية.


وأدعي أن العلاقات السوية بين بني البشر لها ثمار يصعب حصرها؛ فمنها أنها تعمل على تقوية المشاعر الإيجابية، وإضفاء الأحاسيس التي تفتح أمامنا فرص التفكير الإيجابي، نحو قضايا قد تبدو لنا من أول وهلة أنها شائكة أو معقدة، كما أنها تلهمنا الرؤى السديدة، التي بواسطتها نتغلب على تحديات قد تكون حياتية، أو عملية، أو علمية، في أي مجال من المجالات، وهذا بالطبع يحسن من حركة الحياة، وينقلها من مطبات الركود لمسارات مفتوحة، تؤدي إلى زيادة مقدرتنا على الابتكار والتفكير خارج الصندوق في كثير مما نتناول.


وفي كلماتي السابقة، لست بصدد تناول محاسن ومزايا العلاقات الإنسانية السوية؛ لكني أردت أن أيقظ الأذهان؛ كي تستشعر الفرق بين تلك النوعية من العلاقات، وعلاقات أخرى أطلقت عليها مسمى العلاقات المنتهية الصلاحية، والتي أعني بها بشكل محدد، أن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان تتجمد، أو تتوقف، أو يصيبها الفتور، أو الانقطاع بعد فترة، مرهون بانتهاء تحقيق غاية بعينها، وهنا يسميها البعض بانتهاء المصلحة أو المصالح.


وأود الإشارة إلى أن هذه العلاقات تشكل نوعية مقيتة، يتوجب الحد منها، أو تقليل التعامل بها، أو البعد عنها بالكلية؛ حيث إنها لا تتقابل مع مقومات الطبيعية الإنسانية، التي تقوم على الاجتماعية في إطارها الصحيح، وفق أسس واضحة وقواعد معلومة منذ الأزل، وهنا نؤكد على ضرورة التمسك بالنسق القيمي في تكوين تلك العلاقات؛ كي تقوم على الرحمة، والتعامل الصادق، والتعاطف، والإيثار، والصدق، والتعاون، والشراكة؛ فما أحوج القلوب للود، وما أعطش الوجدان للمحبة غير المشروطة، وما أجمل تكامل المشاعر الصادقة.


ما أكره لنفسي ولغيري نوعية  العلاقات التي تقوم على مصالح وغايات موقوتة، تزول بزوال الأثر، وما أبغض أن تتجمع المآرب حول منفعة، وتنفض بعد انتهاء الغاية، وما أرخصها من علاقة تحكمها فائدة محددة، وما أسوأ العلاقات التي لا تراعي جملة الأحاسيس، والمشاعر، والانفعالات، بين الطرفين، أو جميع الأطراف، وما أبعد العلاقات التي لا تشعرك بالعزة، والفخر، والتقدير المتبادل، وترفع من قدرك ومقدارك كإنسان، وليس في ضوء ما يتمخض عن طبيعة العلاقة من ثمرة، أو فائدة، وما أحط العلاقات التي لا تشعرك بالسعادة، والامتنان، والتقدير، وتعضد في وجدانك اهتمام، وانشغال، محمود في كليته.


إن استبعادك للعلاقات القائمة على المصالح، يزيد الإحساس بالراحة النفسية لديك، ويحافظ على امتلاكك للذوق العام، الذي يحافظ على وحدة النسيج، والتكافل غير المحدود، وهنا ننتقل إلى ما يجنيه المجتمع من ثمار تتعلق بعاداته وتقاليده الأصيلة، وقيمه النبيلة، التي تحض على كافة الممارسات، المعززة لماهية الطبيعة الإنسانية السوية، المحبة للإعمار، من أجل الحفاظ على الأمانة الواقعة على عاتق الإنسان منذ أن خلق ووجد على هذه المعمورة.


وفي ختام كلماتي عن العلاقات منتهية الصلاحية، أود أن أقول لمن يتبنون مسار تلك العلاقات: إن المسار غير محمود، وحالة الرضا بعيدة المنال، والإنتاجية التي ترغبون في تحقيقها لن تكون مثمرة أو مفيدة، وتعزيز العلاقات السوية لن يحدث وفق الهوى، كما أن نهاية المطاف لن تكون على المرام، وأن نهاية المطاف والمسعى غير مشكور، والحسرة والندامة ستكون عاقبة هذا المنحنى غير المقبول لمن يفقه ماهية الحياة ومآلاتها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

search