دينا شرف الدين تكتب.. لمحات من مصر على مر العصور "مصر الطولونية"
دينا شرف الدين
الطولونيون، بنو طولون: هم سلالة من الأتراك العرب حكمت في مصر، الشام وفلسطين سنوات 868-905 م.
لِتكون بِذلك أول دُويلة تنفصل سياسيًّا عن الدولة العباسية ، وتتفرَّد سُلالتها بِحُكم الديار المصريَّة والشَّاميَّة. قامت الدولة الطُولونيَّة خِلال زمن تعاظم قُوَّة الترك في الدولة العبَّاسيَّة وسيطرة الحرس التُركي على مقاليد الأُمور،
مؤسس السلالة "طولون"
كان من الجنود الأتراك في جيش العباسيين. تدرج في الرتب حتى أصبح رئيس الحرس الخاص بالخليفة العباسي في بغداد. ورث ابنه أحمد هذه الرتبة سنة 854 م.
لقد حفر التاريخ اسم أحمد بن طولون كمؤسِّس للدولة الطولونية، و الذي نشأ نشأة دينية؛ فكان يعيب على الأتراك ما كانوا يرتكبونه من المنكرات، وقضى حياته السياسية والعسكرية الأولى في طرسوس، وتمتع منذ البداية باحترام الأتراك في عاصمة الخلافة،
وبعد وفاة والده عام (230هـ/ 845م) فوَّض إليه الخليفة المتوكل ما كان بيد أبيه، كما حظي بثقة الخليفة المستعين.
ثم بعد وفاة والده تزوجت والدته بالأمير بايكباك التركي الذي عينه الخليفة المعتز واليًا على مصر في عام (254هـ/ 868م)؛ فأرسل أحمد ليتولى حكمها نيابة عنه، ولم يكن له كل الولاية وإنما كان على الصلاة، وله العاصمة المصرية (الفسطاط).
ساعدت الظروف أحمد بن طولون في تثبيت أقدامه في مصر، فقد قُتِل بايكباك في عام (256هـ/ 870م)، فأُسنِدت ولاية مصر إلى يارجوخ الذي كانت تربطه بابن طولون عَلاقات طيبة ومصاهرة، مما أزاد في سلطته بأن استخلفه على مصر كلها، باستثناء الخراج الذي ظلَّ بيد منافسه أحمد بن المدبر، و الذي اشتُهِر بسوء السيرة؛
ولما تُوفِّي يارجوخ في عام (259هـ/ 873م) أضحى ابن طولون حاكم مصر الشرعي من قبل الخلافة مباشرة، فتولَّى مقاليد الأمور كلها، ودانت له الإسكندرية وبرقة، وقدَّم له أمراء الكور الخضوع والطاعة.
لكنه لم يرغب بعد استقلاله السياسي عن الخِلافة، بالانفصال الديني عنها لأنَّ الخِلافة مثَّلت في نظره وفي نظر جمهور المُسلمين ضرورة دينيَّة لاستمرار الوحدة الإسلاميَّة
كانت إمارته نحو 26 سنة، وكان حازما كثير المعروف والصدقة، متدينا يحب العلماء وأهل الدين، وعمل كثيراً من أعمال البر ومصالح المسلمين، وهو الذى بنى قلعة يافا عندما كانت المدينة بغير قلعة، و كان يميل إلى مذهب الشافعي، و تكريم أصحابه.
ثم سرعان ما شرع أحمد بن طولون في القيام بِأعمالٍ عُمرانيَّة تُعبِّرُ عن مدى اهتمامه الشديد بِمصر، وتعكس طموحاته في إقامة إمارته الخاصَّة، وكان أول ما عُني به إنشاء عاصمة جديدة لدولته شمالي "الفسطاط" سنة (256 هـ = 870 م) عُرِفت بـ"القطائع"، وقد بناها على غرار نظام مدينة "سامراء" عاصمة الخلافة العباسية، واختار مكانها على جبل "يشكر" بين الفسطاط وتلال المقطم، وبنى بها قصرًا للإمارة، وجعل أمامه ميدانًا فسيحًا يستعرض فيه جيوشه الجرارة، ويطمئن على تسليحها وإعداده، ثم بني حول القصر ثكنات حاشيته وقواده وجنوده، وجعل لكل فئة من جنوه قطعة خاصة بهم؛ فللجنود من السودان قطعة، وللأتراك قطعة، وكذلك فعل مع أرباب الحرف والصناعات. ومن هنا جاءت تسمية المدينة الجديدة بـ"القطائع"، وهي العاصمة الثالثة لمصر بعد الفسطاط والعسكر،
وأنشأ في وسط المدينة مسجده المعروف باسمه إلى اليوم؛ وهو من أكبر المساجد، وتبلغ سعته 8487 مترًا مربعًا، ولا يزال شاهدًا على ما بلغته الدولة الطولونية من رقي وازدهار في فنون العمارة، وقوَّى الجبهة الدَّاخليَّة من خِلال تنمية موارد الثروة، ومُضاعفة الدخل في ميادين الإنتاج، فاهتم ابن طولون بالزراعة؛ فعُني بتطهير نهر النيل، وشق الترع، وإقامة الجسور، وكان من شأن هذا أن ازدادت رقعة الأراضي حتى بلغت نحو مليون فدان.
وازدهرت الصناعة في عهده، وخاصة صناعة النسيج التي كانت أهم الصناعات في عهده، وتقدمت صناعة الورق والصابون والسكر وصناعة الأسلحة، كما نشطت التجارة في مصر والشام؛ نظرًا لموقعهما المتميز في طرق التجارة العالمية.
وكان نتيجة هذه النهضة أن عمَّ الرخاء، وازدادت مالية الدولة، وامتلأت خزانتها بفائض من المال، استغله ابن طولون في تحسين أحوال الناس المعيشية، وفي بناء جيش قوي بلغ -في بعض الروايات- مائة ألف جندي، وأنشأ أسطولاً بحريًّا لحماية شواطئ الدولة، وإقامة الحصون المنيعة في يافا والإسكندرية وعكا،
لكن سلاطينهم قد اشتهروا ببذخهم وبارتدائهم للعديد من الخلعات السلطانية.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل تتوقع تصاعد الأزمة بين الأهلي واتحاد الكرة بسبب لجنة الحكام؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً