دينا شرف الدين تكتب.. لمحات من مصر على مر العصور "الفتح الإسلامي لمصر 2"
دينا شرف الدين
و استكمالاً لرحلة ابن العاص في فتح مصر ، فقد سار بجيش مكون من 4 آلاف رجل و عبر بهم من فلسطين إلي العريش ، وفي بلبيس تقابل جيش المسلمين مع جيش الروم بقيادة Arteon الذي سماه العرب أرطبون، وانتصر المسلمون بعد قتال دام شهر، فاستولوا علي بلبيس ثم تقدموا إلى حصن بابليون، وكان في الحصن حامية رومية كبيرة، إذ كان شديد المنعة، فارسل عمرو بن العاص يطلب مدداً من الخليفة عمر بن الخطاب.
وصل المدد من الخليفة عمر بن الخطاب قوامه أربعة آلاف رجل وعلي رأسهم أربعة من كبار الصحابة هم الزبير بن العوام ومسلمة بن مخلد و عبادة بن الصامت و المقداد بن الأسود، فتمكن عمرو بن العاص ثانية من ترتيب صفوفه واتجه لملاقاة جيش الروم الذي كان يقدر بـ 20 ألف جندي، وتقابل الجيشان في موقعة كبري بعين شمس عام 640 م / 19 ه، حيث انتصر عمرو بن العاص انتصاراً كبيراً، وفر من بقي من جيش الروم إلي داخل حصن بابليون.
توجه عمرو بن العاص بجيشه إلي حصن بابليون وحاصره 7 أشهر متواصلة، فأرسل المقوقس إلي عمرو بن العاص يفاوضه، حيث عرض عليه مبلغاً من المال نظير رجوع المسلمين لبلادهم، ولكن ابن العاص رفض وقال له ليس بيننا و بينكم إلا ثلاث خصال : الإسلام أو الجزية أو القتال .
بعد سقوط حصن بابليون فقد الروم معظم مواقعهم في مصر، ولكن ظلت عاصمتهم المزدهرة السكندري في أيديهم، وبعد أن رأي عمرو بن العاص أن مصر لن تسلم من غارات الروم طالما بقيت الإسكندرية في حوزة الروم، اتجه بجيشه إلي السكندري و فرض عليها حصار بري استمر لمدة أربعة أشهر.
إذ قرر عمرو اقتحام المدينة و عهد إلي عبادة بن الصامت بذلك، فنجح في اقتحامها بجنده، وجاء المقوقس إلي الإسكندرية و وقع علي معاهدة الإسكندرية مع عمرو بن العاص سنة 642 م / 21 هج، وكانت تنص علي انتهاء حكم الدولة البيزنطية لمصر و جلاء الروم عنها ودفع الجزية للمسلمين دينارين في السنة عن كل شخص و إعفاء النساء والأطفال والشيوخ منها.
كان تعداد مصر في هذا التوقيت من ستة إلي ثمانية ملايين قبطي علي أرجح الأقوال. وكان عدد من تجب عليهم الجزية من مليون إلي اثنين، ثم بعد إتمام فتح مصر، ولي عمر بن الخطاب عمرو بن العاص علي مصر. و عندما استتب له الأمر في الإسكندرية عاد إلي موضع فسطاطه عند حصن بابليون و شرع في بناء عاصمة لمصر بدلاً من الإسكندرية .
وقد كتب محمد حسين هيكل باشا، بعد دراسةٍ طويلةٍ لِعصر الخلفاء الراشدين، مُستندًا إلى النُصوص العربيَّة يقول:
«لَا شَكَّ أنَّ القِبْطَ لَمْ يُعَاوِنُوا الرُّوْمَ فِي قِتَالِ العَرَبِ إِلَّا بِالقَدَرِ الَذِي يَضْطّرَّهُم إِلَيْهِ خُضُوعُهُم كَارِهِيْنَ لِسُلْطَانِ قَيْصَرَ وَعُمَّالِه. وَلَكِن لَا شَكَّ كَذَلِكَ فِي أَنَّهُم لَم يُعَاوِنُوا العَرَبَ، إِلَّا أَن تَكُونَ مًعَاوَنَاتٌ فَرْدِيَّةٌ. أَمَّا فِيْمَا وَرَاءَ ذَلِك، فَقَد وَقَفَ شَعبُ مِصْرَ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ المُتَحَارِبَيْنِ مَوْقِفَ المُتَفَرِّجِ شَدِيْدَ التَّطَلُّعِ».
اختار عمرو بن العاص موقعاً بالقرب من حصن بابليون غرب جبل المقطم ليبني عاصمته الجديدة وأسماها الفسطاط و تعني الخيمة.
كما بني عمرو بن العاص أول مسجد في مصر و إفريقيا وهو جامع عمرو بن العاص في وسط مدينة الفسطاط سنة 642 م قدم إلي مصر مع عمرو بن العاص عدد كبير من الصحابة، فتلقي عنهم أهل مصر الدين الإسلامي الجديد، و من هؤلاء الصحابة عبد الله بن عمرو بن العاص، و الزبير بن العوام، و المقداد بن الأسود، و عبادة بن الصامت، و عبد الله بن عمر بن الخطاب، و مسلمة بن مخلد.
وبعد استتباب السُلطان للعرب في مصر ، سمع رُهبان وادي النطرون، أنَّ أُمَّةٌ جديدةٌ ملكت البلاد، فسار منهم إلى عمرو سبعون ألفًا حُفاة الأقدام، بِثيابٍ مُمزَّقةٍ، يحملُ كُلَّ واحدٍ منهم عكَّاز... وطلبوا منهُ أن يمنحهم حُريَّتهم الدينيَّة، ويأمُر برُجوع بطريركهم من منفاه. أجاب عمرو طلبهم، وأظهر ميله نحوهم فازداد هؤلاء ثقةً به ومالوا إليه، لمَّا رأوه يُبيحُ لهم إقامة الكنائس والمعابد، في وسط الفسطاط التي جعلها عاصمة لمصر ، في حين لم يكن للمُسلمين معبد، فكانوا يُصلّون في الخلاء.
عزل الخليفة عثمان بن عفان عمرو بن العاص عن ولايةِ مصر سنة ٢٤ هـ،
وبعد مقتل عثمان طالب بالثأر لدمه، وكان في صف معاوبة بن أبي سفيان ، وأحد قادة قواته في موقعة صفين ،
ثم تولى ولاية مصر مرة أخرى في عهد معاوية، توفي ليلة عيد الفطر سنة 43 هـ في مصر بعمر ثمانية وثمانون عاماً، ودفن قرب المقطم.
عُرف عمرو بالدهاء والذكاء والفطنة قبل الإسلام وبعده، حتى وُصف بأدهى العرب أو «داهية العرب». كما اشتهر عمرو ببلاغته وفصاحته، ورصانة شعره، وله من الخطب الكثير. وروى عدداً قليلاً من الأحاديث النبوية ، تبلغ حوالي أربعين حديثًا.
شهدت مصر خلال الحكم الإسلامي نهضة شاملة في العمران والفنون تمثلت في العمارة الإسلامية بإنشاء العديد من المساجد والقلاع والحصون والأسوار، كذلك الفنون الزخرفية التي تمثلت في أول عاصمة إسلامية في مصر وهي مدينة "الفسطاط" وبها جامع عمرو بن العاص الشهير .
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً