السبت، 06 يوليو 2024

12:53 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

ERGdevelopments

النائب علاء عصام يكتب.. ثورة «الجدل» طريق الصين للحداثة والعلم

النائب علاء عصام

النائب علاء عصام

استطاعت أوروبا أن تدخل عصر الحداثة، عندما تحالف الفلاسفة الماديون والمؤمنون بالعلم والرافضون للمثالية والخرافة، وسيطرة الكنيسة وتحكمها في حياة المواطنين باسم الرب، مع طبقة التجار والمصنعين بعد اكتشاف الآلة البخارية.

وتلاقت مصالح المصنعين الذين يريدون تصدير بضائعهم إلى كل العالم، مع الفلاسفة والمنادين بحرية الاعتقاد والعمل والتجارة لمقاومة فكرة سيطرة الإقطاع والكنيسة، على عملية التصدير ورفضهم لتصدير المنتجات خارج إماراتهم، لأن أوروبا شحيحة الموارد.

كان لا يمكن أن تشهد أوروبا هذه الثورة العلمية والفكرية في كل المجالات، مع مطلع القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر، إلا من خلال مقاومة المعادين للعلم، والذين كفروا جاليليو وغيره من العلماء، وتحدي الفلاسفة أباطرة الكنيسة الذين كانوا يفرضون صكوك الغفران ويتمسكون بالفكر الروحاني ولا يعتبرون الإنسان جزءا من الكون، ولكنهم برجعية شديدة اعتبروا الإنسان محور الكون كما كانوا يعتقدون. 

وظلت دول الشرق، تعاني من سيطرة الفكر المثالي والإقطاع ولم تلحق بالحداثة منذ مهدها، وهو الأمر الذي جعل المستعمرين الأوروبيين يستغلون هذه الدول ومواردها ويتحكمون في مصائرها سنوات طويلة.

وهو الأمر الذي دفع الشيوعيين الصينيين وعلى رأسهم "ماو " الذي انضم للحزب الشيوعي الصيني عام 1921 بعد أن كان عضوا في الحزب الحاكم القومي الصيني "الكومينتانج"، متأثرين بالثورة البلشفية وأفكار ماركس وانجلز ولينين قائد الثورة البلشفية، لتحرير الصينيين من الفكر الروحي والخرافي المعادي للعلم ويتعامل مع المادة باعتبارها ثانوية.

وتأثر ماو، بعلم الديالكتيك وهي كلمة يونانية معناها "الجدل"، ومرت هذه النظرية بمراحل تطور حيث يعرفها أفلاطون بالانتقال من "المحسوس إلى المعقول".

ويقصد أفلاطون، بهذه الجملة إعمال العقل والمنطق في فهم الظواهر الطبيعية، إذ كان الإنسان في الماضي غير قادر على فهم أسباب حدوث ما يشاهده في الواقع من رعد وبرق وأمطار وسيول وأهوال وغيرها من الظواهر الطبيعية، وكان يترك السحرة ورجال الدين يفسرون له أسباب حدوث هذه الظواهر بشكل روحاني، ولكن مع تطور الفكر الإنساني ظهرت أفكار تغليب العقل والمنطق على الخرافة والسحر.

وعادت الجدلية على يد هيجل لتكتسب معنى فلسفيًّا جديدا وعميقا، ولكن ظل هيجل، يفسر هذه النظرية بشكل مجرد ويقارن بين الوعي الذاتي للسيد والعبد، وبالطبع كان متأثراً بالواقع الإقطاعي الذي يعيش فيه.

ويقبل ماركس وانجلز جدلية هيجل كطريقة، لكن على حد قولهما بعد إنزالها من السماء إلى الأرض فيطبقانها على دراسة الظواهر التاريخية والاجتماعية، وبشكل خاص على دراسة الظواهر الاقتصادية، لأن الروح أو الفكرة من منظورهما ليست هي التي تحدد الواقع، إنما العكس، وكان هذا هو المفهوم الذي طوره فيما بعد الماركسيون اللاحقون (كلينين وماو تسي دونج)، الذين جعلوا من تلك المادية الجدلية منظومة فكرية شبه متكاملة.

ومن هنا استطاع ماو، ورفاقه بالحزب الشيوعي الصيني، قيادة الشعب للتفكير بشكل علمي في أسباب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي يعانون منها وتغليب العقل والمنطق والتفكير المادي على الخرافة.

واستطاع الكاتب السوري رامز مكرم باكير، بشكل سهل وسلس شرح رؤية ماو ، قائلا: "قدم ماو إسهامات فكرية نظرية كبيرة، حيث بنى فيها على أفكار أسلافه من ماركس وانجلز ولينين. 

وقدم تصوراته عن كيفية التنظيم الحزبي، خاصة على المستوى الشعبي، ورؤيته عن التقسيم الطبقي في الصين، وطور أساليب مواجهة الإمبريالية وأذرعها. 

ولعل من أهم هذه الإسهامات الفكرية وأبرزها نظرية ماو المادية الديالكتيكية، والتي تشكل الحجر الأساس للفكر الثوري الماوي.

ويبدأ ماو، بالنظر إلى أن التاريخ، أي تاريخ الفلسفة تحديداً، على أنه ينقسم إلى معسكرين عريضين "المعسكر المثالي والمعسكر المادي"، ويصف المثالية باعتبارها الأشياء المجردة، والتي تشمل (الوعي والمفاهيم وكل ما هو موضوعي)، وتكون الأرواح في هذا المعسكر المصدر لكل ما هو موجود، وبالتالي يكون فيه عالم الأشياء أو الموجودات (الطبيعة، المجتمع، الثروة، الموارد) أشياء ثانوية، بينما في المعسكر المادي، تعترف المادية بالوجود المستقل والمنفصل عن الروح، وتعتبر الروح أو عالم المُثل ثانوياً.

وتركز النزعة المثالية في الدرجة الأولى على الأشياء التي لا وجود لها في العالم المادي ككل (مثل وجود الآلهة والأرواح) أو هل هناك شيء مثل “عالم الأرواح” أو “الروح المطلقة” كالتي في مثاليات هيجل على سبيل المثال؟ 

وهل الوعي أو الإدراك ،هو الذي يحدد ماهية العالم؟ فالنزعة المثالية تنظر إلى العالم من منظور ماذا يمكننا أن نعرف عن هذا العالم؟ فنحن ندرك وجودنا فيه، ونتأثر به ونؤثر فيه ونتحرك معه. 

هل هذا العالم هو الذي خلقنا وكوننا، أم نحن الذين نكونه ونشكله في وعينا؟ أم أن هناك خالقا هو المسبب الأول لكل ما هو موجود؟

يعزو ماو، هذا الانقسام بين النزعتين المادية والمثالية إلى الانقسام الطبقي في المجتمعات، فالطبقة الرفيعة أو العليا لديها قدر معين من الامتيازات، والتي تمكنها من تفادي مشاق الحياة اليومية، مما يتيح لهم الراحة والكثير من الوقت للتفكير والتأمل في أمورٍ ليست بالضرورة ذات علاقة بالعالم المادي المُعاش. 

ويتجسد ذلك في صورة “الفيلسوف على الصوفاية”، مرتاحاً في هذه الجلسة الوقورة والجليلة، متأملا الوضع البشري والكون، ومفاهيم الحقيقة والعدالة وما إلى ذلك من المسائل الوجودية. 

بينما تهتم الطبقات الدنيا بالمادية، لأن هذه هي حياتهم يوما بعد يوم ويقضون معظم أوقاتهم في المعامل أو المزارع يحرثون التربة، وعلى احتكاك مع الأرض والناس الآخرين، وبصراع دائم ومشترك للبقاء على قيد الحياة، لذلك ليس لديهم نفس الوقت والامتيازات للتأمل في مسائل الوجود والمثل والحقائق العليا، فوجودهم مشروط بالصراع للبقاء وتأمين حاجياتهم الأولية وليس بالسعي لمعرفة ماهية وجودهم.

لذا فإن نوع المعرفة المتاحة للطبقة الدنيا من عمال وفلاحين، أو الطبقات المُستغلة، قد تنطوي على أشياء دنيوية نوعا ما، والتي تنبع من الحاجة الملحة والدائمة، ولجعل حياتهم ومعاناتهم أسهل قليلا (كتعلم كيفية تقليب التربة بمساعدة حيوان، أو صناعة العربات البدائية لتسهيل النقل) وهذا التطور لم يحدث من قبل فى الطبقات العليا، بل حدث نتيجة تراكم الخبرات والعمل الدؤوب للطبقة العاملة، ولم يأت من قبل هؤلاء المتنعمين الذين يقضون معظم حياتهم في التفكير والتأمل والانغماس الذاتي، والإيمان بأنه بالفكر والمنطق وحدهما يمكن الوصول إلى المعرفة وحقيقة الأشياء. 

تطور الإنتاج مشروط بالحاجة الملحة وشروط البقاء، عندما تكون هناك مشاكل معينة تعترض سير العمل ويصبح من المهم التحايل عليها وحلها، من خلال التجارب والأخطاء trial and error. لتأتي لاحقاً البراهين الرياضية المجردة، وتتبنى إنجازاتهم وتبنى عليها.

ويرى ماو، في هذه الأنماط من التفكير قمة الرجعية والتخلف، لأن هذه الحقائق لا يمكن الوصول إليها، إلا شريحة ضئيلة جدا من المجتمع. فكيف يمكننا أن نعتبرها حقائق كونية.

 في حين أن المادية هي الشيء الذي ينخرط فيه المجتمع بأسره، وهي أكثر عمومية وكونية مقارنة بالمثالية، ويرى أيضاً أن المادية الجدلية أو الديالكتيكية هي نوع من العلاج للمثالية. لأنها لا تسمح لهذه العوامل الاجتماعية والمادية أن تعزز أو ترسخ هذا النوع من التفوق الطبقي والعلاقات الاجتماعية،  خاصة من خلال رفض القيم المثالية والتفكير الأسطوري. 

يُرجِع ماو،  احتمالية ظهور الفكر المثالي، بأن الناس لم يكن لديهم الأدوات المعرفية أو التقنية لفهم العالم الخارجي. لذا كان عليهم أن يبحثوا في عالم الأرواح والآلهة والماورائيات، لإعطائهم تفسيرا عما هو بعيد عن متناولهم وماهية وجودهم،  بينما الآن، ومع تطور الإنتاج وعلاقات الإنتاج، طور الناس الوسائل اللازمة لفهم العالم.

وكما يقول ماو: ”أصبح لديهم العزم على فك فتيل الدين والخرافات والانفتاح على العالم المادي”.

فالمادية الجدلية أو الديالكتيكية تحدد لنا ماهية المعرفة، وأن الظروف الاجتماعية الحقيقية والمادية هي الأعمدة الأساسية للمعرفة الإنسانية. وهكذا استطاع ماو، أن يتوصل إلى حقيقة أن الجدلية المادية هي النظرية العلمية الوحيدة إبستيمياً، لأن العلم يهتم إلى حد بعيد بالأحوال المادية للكون، من خلال دراسة المسببات والنتائج، ومن خلال الرصد والمراقبة وطرح الفرضيات واختبارها ورؤية مدى صحتها. بهذه الطريقة فقط يصبح الديالكتيك المادي هو علم الدراسة المادية لنظرية المعرفة. 

يضع ماو، بين يدينا خطوتين لتطبيق المادية الماوية: 

أولاً: أن نعترف بأن العالم موجود بشكل مستقل عن وعينا، وله وجوده الخاص المنفصل عن وجودنا. 

ثانيًا: أن نعترف بأن كل شيء في الكون في حالة حركة وتغير وتطور دائم. وهذا هو الجانب الديالكتيكي من فكر ماو.

الجدلية تعني الصراع بين فكرة ما (أطروحة/thesis) وفكرة معارضة (النقيض/antithesis)، ويكونان في حالة تنافر أو يخضعان لقوة تنافر عكسي، ولكن في حال حصل اتصال أو التحام بين الاثنين، فإن هذا التصادم يؤدي إلى تشكيل توليفة جديدة أو مركب جديد (مركب/synthesis)، هذا المركب يعود بدوره ليأخذ شكل أو دور الأطروحة (أطروحة/thesis)، ليتشكل له نقيضا جديدا يعارضه ويحاول نفيه بعد ذلك، وهكذا تتكرر الدورة الديالكتيكية. وهذا ينطبق على حركة وسيرورة المجتمع والتاريخ، فهما في حالة تطور وتغير دائم. وما أن تطرأ تطورات كبيرة، تظهر صدامات وصراعات جديدة، وهكذا.

هنا يعكس ماو، المثالية، التي تحاول ترسيخ الدوجمائية وإضفاء الطابع الكوني على المفاهيم والأشياء. وتقوض التطور ورؤية العالم بشروطه الخاصة وماديته، وليس من خلال “الروح المطلقة” أو كما يسميه ماو “روح العالم” هذا الشيء التجريدي الذي لا يمت للعالم بصلة". 

وبعد هذا العرض أعتقد أننا عرفنا كيف استطاع الحزب الشيوعي الصيني، أن ينتشل دولته وشعبه من الفقر والمجاعات والخرافة، لأن تصبح ثاني أقوى اقتصاد في العالم وتدخل عالم الفضاء وتصدر التكنولوجيات الحديثة لجميع العالم.

تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا

تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية