مصطفى الجمل يكتب.. أحببت الله في رحاب مريم
مصطفى الجمل
أحببت الله في رحاب مريم.. يا مريم، عندما أتممت عامك الثاني وبات لزامًا أن أسدد دَينًا لكِ وأكتب لك في هذا اليوم كلمات تمرريها على قلبك قبل عينيك عندما تكبرين، وجدت نفسي أكتب لا لأصفك أنتِ، بل لأصف الطريق الذي قادني إلى الله من خلالك.
وأنتِ تُطفئين يا صغيرتي شمع عامك الثاني، تضاء شموعٌ داخل روحي، شموعٌ على نافذة أطللت منها على ساحة تجلت فيها قدرة الله وجمال صنعه.
قطعاً عرفت الله قبلك يا صغيرتي، وآمنت به إيمانًا استقر في القلب، وسعيت له وناجيته مراراً وتكرارً ولكن لم ألح في طلبٍ بـ«عشم المحب» إلا عندما رأيتك نطفة فعلقة فمضغة، استحالت عظاما كساها ربك لحماً فصوره أحسن صورة.
أحببت الله يا مريم في كل مرة أمسكت فيها بأصابعك الصغيرة، فأدركت كم هي الحياة معقدة في أعيننا، وكم هي في عينيك بسيطة.
أحببت الله أكثر في رحابك، لأنه أهداني فيكِ عالماً صغيراً يعيدني إلى نقاء الفطرة، حيث تُصاغ الحياة من ضحكة صغيرة أو لمسة بريئة لأناملك.
ظاهر الأمر أنك تكبرين أمامي، أما جوهره فأنا من يكبر في مدرستك، تعلمت منك وأنتِ لم تتجاوزي سنواتك الأولى، أن للحياة معنى أبعد من الطموح المرهق، وأسمى من السعي الذي لا ينتهي.
كلما رأيتك تجرين وراء فراشة أو تحاولين الإمساك بنور الشمس بيديك الصغيرتين، أدركت كم نحن الكبار غافلون منشغلون بما لا يهم ومنهمكون في كل ما يجلب الهم.
عامان يا مريم وما زلتِ تعلمينني أن المحبة ليست فقط شعورًا عابرًا، بل هي قدرة على العطاء دون مقابل، أنتِ لا تعرفين من أنا تمامًا، ومع ذلك تعطيني كل شيء: حبك، وثقتك، وابتساماتك.
يا مريم، لقد أحببت الله أكثر عندما رأيتك تتعثرين وتقفين مرة أخرى، أحببته عندما ناجيته وأنتِ مثقلةٌ بالداء وأنا أساله هو وحده الدواء فينجيكِ.
رأيت الله في ضحكتك الأولى، تلك اللحظة التي شعرت فيها أن شيئًا من الجنة وُضع بين يديّ، رأيته في عينيك عندما تبحثين عني، وكأنك تسألين العالم كله عن أبيك، رأيته في خطواتك الصغيرة، التي تشبه صلاة صامتة تتحرك على الأرض، تنطق بالشكر دون كلمات.
أحببت الله يا مريم لأنه أهداني درسًا حيًا في الإيمان، كلما ضممتك إلى صدري، شعرت بالمولى عز وجل يقترب مني هامسا: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها".
كل مرة أنادي باسمك، أشعر أنني أنادي الحياة نفسها، لأنك حاضرة في كل لحظة، وملهمة في كل فعل.
تعلمت في رحابك يا مريم كيف أتقن الدعاء، دعاءً خالصاً بأن يبارك الله فيكِ ويحفظك، عامك الثاني يا مريم ليس مجرد رقم يضاف إلى عمرك، بل عام آخر من النور الذي أشرق في حياتي منذ أن جئتِ.
أنتِ لست ابنتي فقط، بل دعوتي المستجابة، حلمي الذي تحقق، درسي الذي أتعلم منه كيف أعيش بصدق ومحبة.
يا صغيرتي قبل أن تأتي، كنتُ أسير أياما تُشبه بعضها، أحلامها تشبه حدودها، لم أكن أرى العالم إلا من زاوية واحدة، ثم جئتِ، لتُعيدي صياغة كل شيء.
ستظلين يا مريم دعوة استجابها الله لي في لحظة صفاء، ونور أضاء حياتي في أكثر أوقاتها ظلمة ووحدة وكآبة.
مريم، أنتِ الدرس الذي يتجدد كل يوم، والدعاء الذي يتردد كل لحظة، أسأل الله أن يجعلك نوراً لمن حولك، وسكينةً في قلب كل من يلقاك.
أسأله أن يحفظك، وأن يرزقني القوة لأكون الأب الذي تستحقينه، ذلك الأب الذي لن يحب شيئاً في الدنيا أكثر من حبه لك.
الأكثر مشاهدة
بعد القرار الأخير ..في رأيك هل تنجح التربية والتعليم في حل أزمات الثانوية العامة ؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً