فريدة الشوباشي تكتب.. سوريا وما سمى بالجهاد
فريدة الشوباشي
يتابع معظمنا ما آل اليه الوضع في سوريا الشقيقة، حيث ينذر التشتت الديني والطائفي والعرقي بزوال الدولة وتقسيمها إلى كانتونات متعددة، وفقًا للمعتقد الديني أو العرقي أو أي ذريعة بالاستيلاء على منطقة معينة، وإحلال ذلك محل الوطن السوري.
وأوضح التقسيم وفقا للمعتقد أو العرق، أنه كان معدًا لهيمنة إسرائيل على الوطن وضمان عدم عودته وهو ما أوصل سوريا إليه، مخطط مدروس أعدته الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود، وتغافل عنه قادة من دول المنطقة حتى لا تستهدفهم واشنطن ويتوهمون أن في ذلك الضمان الأكيد لبقائهم في السلطة.
ويطرح المشهد الحالي في سوريا عدة أسئلة على رأسها بالطبع، كيف لم يتصد من يصفون أنفسهم بالجهاديين للعدوان الصهيوني الوحشي على مقدرات الشعب، وتوغل قواته داخل أراضي وطنهم الذي يدعون أنهم يقصدون تحريره.
كذلك يتساءل الكثيرون عن سلبية العالم إزاء تصريحات إسرائيلية شديدة الوقاحة وازدراء القانون الدولي، بادعاء أن المناطق التي احتلتها هي جزء من أرض الدولة الصهيونية.
ومما يثير الحزن على ما وصل إليه، ما كان يسمى القانون الدولي وادعاء الدولة التي تسلح إسرائيل بكل ما يمكنها من تدمير جميع المواقع العسكرية والمدنية للشعب السوري، الذي أعدت حركات مدمرة لتقسيمه إلى عشرات الفئات بدعوى الجهاد الإسلامي، وكأن الخلاف بين علي ابن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان، وقع الأسبوع الماضي، ولا بد من انتصار علي، بالنسبة للعلويين، أو معاوية بالنسبة لأنصاره، وهناك التوتر بين الشيعة والسنة وتغذية هذا الانحراف بالمال والسلاح والمخدوعين والخونة، لمواصلة العداء واستمرار التقاتل بين أنصار الطرفين والقائمة تطول، حتى أوصلتنا إلى الوضع الراهن المشين والمحزن معا.
فمما لا شك فيه أن إثارة النعرات العقائدية والعرقية كانت من أشد أسلحة الأعداء فتكًا وهو ما نشاهده الآن، باستيلاء كل فصيل على قطعة من الأرض باعتبارها "وطنًا" له ومستعدة للقتال في سبيل الانفراد به، ومن ثم تختفي فكرة الدفاع عن الوطن بمعناه السليم ومن جهة أخرى لا تجد دولة، تتصدى للأعداء، بل عدة دول ضعيفة ومفتتة لا تؤمن أبدًا بالوطن.
فهل كان يمكن أن تفعل إسرائيل ما تفعله الآن، لو أن الشعب السوري كان موحدًا على قاعدة أن الدين لله والوطن للجميع ومن ثم يكون الدفاع عن أرضه واجب وطني!
ومن الدروس التي على قادة الدول الاستفادة منها، ركون كل حاكم إلى فاعلية القمع في ردع المواطنين وفرض الصمت إزاء كل ما يتعرضون له من قهر وعدوان على حقوقهم، وهو من أقسى الدروس التي كشف عنها إسقاط الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، الذي احتفل الشعب برحيله ولم تظهر أدنى إشارة إلى أسف المواطنين، وكأنهم تخلصوا من كابوس ظل جاثمًا على صدورهم لسنوات طوال.
إن زوال الدولة السورية وتفتيتها إلى مناطق نفوذ أو انتماء على أساس عرقي أو طائفي، إنذار مزلزل لنا جميعًا وهو ما يوجب التنبه إلى جريمة صمت الشعوب حيال انحراف حاكميها عن قواعد احترام المواطن، أيا كان انتماءه وقدراته، وأن مهمة الحاكم هي ترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية بصفتها السلاح الفعال والأكيد ضد أية مطامع خارجية، ولنا فيما حصل في سوريا درس بليغ، وإن كنا نأمل أن نستفيد من خطورة مدعي الجهاد باسم الإسلام، وهو ادعاء أثبتت التجارب بطلانه وزيفه المهين، وأذكّر دائما بقول هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق، إن أكبر ضمان لبقاء إسرائيل في المنطقة العربية، هو تفتيت المنطقة إلى دٌويلات عرقية وطائفية، هل هناك أوضح من ذلك كي نفهم خطر تفتيت الوطن؟
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
من يتوج بكأس التحدي في بطولة إنتركونتيننتال؟
-
الأهلي المصري
-
باتشوكا المكسيكي
أكثر الكلمات انتشاراً