الجمعة، 20 سبتمبر 2024

01:28 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

القوة الناعمة في البدرشين

دكتور وليد عتلم

دكتور وليد عتلم

د/ وليد عتلم

A A

في مقدمة كتابه «فجر المسرح» يقول الأديب السكندري الكبير إدوار خراط، إن المسرح هو «باحة للتلاقي، وميدان للمشاركة، وعملية جمعية للتآلف، وتحطيم للانفصالية والوحدة».

تجربة شديدة الخصوصية تقدمها مؤسسة خالد محي الدين الثقافية، برئاسة النائب علاء عصام، والتي نجحت في إعادة تفعيل مفهوم «الثقافة الجماهيرية» في إطارها الشامل.

المؤسسة أعادت لنا مرة أخرى المسرح الشعبي ومسرح الشارع، حيث قدمت على مسرحها بمدينة البدرشين مسرحية «حكي في حكي»، وهي المسرحية الثانية التي تقدمها المؤسسة في غضون 8 شهور، نجحت من خلالهما في اكتشاف مواهب وطاقات فنية شبابية متعددة، لم تكن موهبتهم ترى النور، لو لم تقم المؤسسة بدورها في إطار المجتمع المحلي في البدرشين.

ورغم أنشطة المؤسسة الخيرية والخدمية المتعددة، -لكني أرى أن النشاط الثقافي هو الأبرز لها-، وهو الأكثر احتياجاً.

وقضية الوعي وخلخلة ثوابت الهوية الوطنية المصرية، هي أبرز مهددات الأمن القومي المصري منذ انطلاق ما أطلق عليه «الربيع العربي»؛ حيث واجهنا أكبر محاولة لتزييف الوعي العربي والمصري، من خلال محاولات التشويش والتأثير، والتحكم في وعي الشعوب على النحو الذي يخالف توجهات وأهداف الدولة الوطنية.

وهي القضية الأكثر إلحاحًا حتى من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، واجهنا حربًا من «القوة الناعمة المضادة» خاصة في المحافظات والمجتمعات بعيداً عن العاصمة في المركز.

هذه الحرب المضادة وجدت صدى لها لبعض الوقت في ضوء تراجع مؤسسات الثقافة الشعبية خاصة على مستوى «قصور الثقافة» وهو واقع لابد أن نقر به، لذلك كانت الحاجة ملحة لمؤسسات المجتمع المدني لأن تسد تلك الفجوة في إطار معركة تعزيز الهوية المصرية الوطنية.

القوة الناعمة في أحد تعريفاتها كما عرفها منظرها الأشهر جوزيف ناي؛ هي القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة، وهو ما يعني بالضرورة القدرة على تشكيل تصورات ومفاهيم الآخرين وتلوين ثقافتهم وتوجيه سلوكياتهم.

هنا يبرز أهمية دور المسرح؛ الذي لم يعد مجرد نشاط ترفيهي، فالمسرح نشاط يتسم بالوعي والمعرفة، وهو ما جعل المسرح وما يقدمه من قيم وما يتناوله من قضايا تتصل اتصال مباشر بالواقع، من أبرز أدوات "القوة الناعمة" وأكثرها فاعلية، فهي بمثابة الجسر الافتراضي الذي تعبر عليه المجتمعات، والمصدر الرئيسي الان لمنظومة القيم التي يريدها المجتمع. لذلك فارتباط الجمهور بالمسرح، هو ارتباط وظيفي، لعب فيه المسرح دوراً مؤثراً في التأثير على الوعي السياسي للأفراد وتوجيهه، من خلال عنصر الصراع الذي تقوم عليه دراما المسرح وتفاعلاته، والذي لابد له من جمهور يتابعه، ويتفاعل معه، وينفعل به.

المسرح يلعب دورا مؤثرا أيضا في تعزيز الثقافة السياسية، ومن ثم تحفيز «الوعي السياسي» وتأكيده؛ حيث الفكر هو أساس كل وعي سياسي، وأن من أهم نتائج الفكر الثقافة، هذه الثقافة هي التي سوف تحدد وتشكل الوعي السياسي الذي سوف يسود في مجتمع ما. هذه الثقافة لا تولد من العدم، بل هي تعبير عن مجموعة من الأفكار والقيم والهياكل السياسية، الاقتصادية، والمجتمعية، والاعلامية المختلفة، وأن وجود الوعي السياسي أو انعدامه هو نتيجة مباشرة لوجود هذه الثقافة، لذلك فالثقافة هي أداة رئيسية للسيطرة على الوعي السياسي وتوجيهه.

والمسرح كذلك؛ ركيزة أساسية ودعامة رئيسية لمفهوم «الأمن الثقافي» كأحد أبرز أدوات المجابهة في معركتي الوعي والهوية. إذ يعدّ الأمن الثقافي أهم جوانب الأمن القومي لأنه يمثل الحفاظ على الذاتية والهوية، وبالتالي هو ضرورة إستراتيجية ملحة لبقاء الدول، حيث إن قوة وأهمية الوعي السياسي للمجتمع تنبع من وظيفته الرئيسية ممثلة في خلق وتدعيم الانتماء الوطني لأفراد المجتمع تجاه الدولة، وهو ما يمثل قوة وضمانة لتماسك النسيج الوطني، واستقرار الدولة سياسياً، اقتصادياً، ومجتمعياً، وبالتالي توحد أفراد المجتمع مع مؤسسات الدولة في تحقيق الأهداف الوطنية، ومجابهة المخاطر والتحديات.

لذا؛ من مصلحة الدولة في ضوء معركة الوعي كقضية حاسمة ومحورية؛ أن تعمل من أجل بناء وعي سياسي نموذجي يعضد الهوية الوطنية، ويرسخ مكونات الشخصية المصرية، وذلك من خلال «التعبئة الثقافية» لمؤسسات وأدوات الثقافة السياسية مجتمعة، والمؤسســات الوطنيــة، وعلى رأسها المسارح الشعبية على شاكلة مسرح مؤسسة خالد محي الدين الثقافية في البدرشين.

"الثقافة الجماهيرية الشعبية" في الستينيات والخمسينيات كانت منبعا لاكتشاف المواهب من كافة أرجاء مصر، وكانت جسرا رئيسيا عبر عليه المبدعون من القرى والنجوع إلى أضواء مسارح العاصمة. ولك أن تتخيل أن مسرح مؤسسة خالد محي الدين الثقافية، كان في الأصل قطعة أرض فضاء أو بالدراج مصرياً "خرابة" تتجمع فيها النفايات والقمامة، تحولت بالإرادة وبإمكانيات بسيطة إلى منبراً مضيئا للفكر والثقافة.

search