السبت، 09 نوفمبر 2024

07:27 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

صراع الاستعمار في النيجر

د. وليد عتلم

د. وليد عتلم

د. وليد عتلم يكتب:

A A

هل تعلم عزيزي القارئ أن برج إيفل في باريس يضاء من العاصمة نيامي في النيجر؛ قد يكون ذلك مدخلاً لفهم وتفسير ما يحدث في تلك الدولة الأفريقية الحبيسة في غرب أفريقيا؛ النيجر كغيرها من الدول الأفريقية أغنى دولة من حيث الموارد وأفقر شعوب. والنيجر بالمعنى الحرفي هي محطة الطاقة الرئيسية لفرنسا، فالنيجر تغطي 35% من الاحتياجات الفرنسية من اليورانيوم، وتساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء في فرنسا، حيث تمتلك النيجر أكبر احتياطي من خام اليورانيوم في أفريقيا، بنحو 2.02 طن متري من اليورانيوم، لذلك تحتل النيجر وفقا للرابطة النووية العالمية المرتبة السابعة من بين أكبر موردي اليورانيوم في العالم لعام 2022. وتعتبر ثالث أكبر مورد لليورانيوم لفرنسا التي تحتاج لنحو 7800 طن من اليورانيوم سنوياً، لتشغيل 56 مفاعلاً، في 18 محطة للطاقة النووية، وتؤمّن 25% من احتياجات الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم حيث تعتبر النيجر ثاني أكبر مورّد لليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي بعد كازاخستان. هذا إضافة إلى كميات كبيرة من احتياطيات الذهب والنفط، كما تم الكشف عن احتياطيات من الفحم عالي الجودة في جنوب وغرب النيجر. لكن رغم هذه الثروات الكبيرة تجسد النيجر الواقع العام للقارة الأفريقية كأغنى قارة وأفقر شعوب، حيث لم تستفد النيجر على مدار تاريخا كثيراً من ثرواتها الطبيعية، ففي 2020، لم تتجاوز مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للنيجر بنحو 1.2%، وقطاع اليورانيوم على سبيل المثال، لا يساهم بأكثر من 10% في التوظيف، ونحو 16% من اجمالي الناتج المحلي في النيجر. كما تحتل المرتبة الـ 189 من أصل 191 على مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية كواحدة من أفقر دول العالم لعام 2021/2022.

والنيجر أيضا هي تجسيد للتنافس الدولي ومحطة إفريقية رئيسية في الطريق نحو نظام عالمي "متعدد القطبية"؛ بدأت تتجسد ملامحه في الصراع على التغلغل والنفوذ في الساحل الأفريقي ما بين الاستعمار القديم ممثلاً في فرنسا، ثم القطب الأوحد الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي الرئيسية ـ حيث تمتلك كل من فرنسا والولايات المتحدة، وألمانيا قواعد عسكرية وجوية في النيجر، ويتمركز بها نحو 800 جندي أميركي و 1500 جندي فرنسي إلى جانب أنّها تُعَدّ قاعدةً مركزية لقوات حلف "الناتو" في منطقة الساحل، إلى جانب تواجد عسكري لكل من كندا وإيطاليا ـ وبين الاستعمار الجديد في ثوبه وأدواته الجديدة ممثلاً في كل من الدب الروسي والتنين الصيني؛ فالنيجر هي المحطة الثالثة في غرب أفريقيا التي تخسرها فرنسا المستعمر التقليدي منذ 1899 بعد كل من مالي وبوركينا فاسو، وهما أحد الركائز الرئيسية "أفريقيا الغربية الفرنسية"، وهي خسارة كبيرة لصالح كل من روسيا والصين التي تسيطر على النيجر اقتصاديًا وتقوم ببناء خط أنابيب بطول 2000 كيلومتر بين النيجر وبنين لتأمين السيطرة على النفط في تلك المنطقة الغنية بالثروات. كما يدفع ماكرون ثمن تأييده القوي لأوكرانيا في غرب أفريقيا بمزيد من التغلغل الروسي عبر مرتزقة "فاغنر" والتأييد الروسي الواضح والعلني للانقلابات على حلفاء فرنسا في كل من مالي ثم بوركينا فاسو وأخيراً وليس آخرا النيجر. لتصبح النيجر الدولة الـ11 في سلسلة الدول الأفريقية، التي تشهد نفوذاً روسياً عبر مجموعة "فاغنر".

والولايات المتحدة تجاهد هي الأخرى للحد من النفوذ الروسي الصيني المتزايد في الملعب الأفريقي، على الأقل حتى عبور عام الانتخابات الأمريكية واستقرار الأوضاع السياسية داخليا في ظل حالة استقطاب سياسي حاد تشهدها واشنطن ما بين اليمين المتطرف واليسار. لذلك كان القلق الفرنسي خاصة عميقا، ولايزال بعد خسارة الرئيس المنقلب عليه محمد بازوم الذي يعد آخر القادة الأفارقة الموالين لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، والذي منذ وصوله إلى السلطة في أبريل 2021 زار فرنسا أكثر من أي بلد آخر، وكان ينظر إليه على أنه رجل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. وهو دفع صحيفة “فايننشال تايمز" اللندنية للقول "إذا ما نجح الانقلاب في النيجر، فقد يتعين على فرنسا الاستعداد للتخلي عن قاعدتها العسكرية هناك، كما فعلت في مالي وبوركينا فاسو. سيتعين على الولايات المتحدة أيضًا أن تقرر ما إذا كانت ستتعاون مع حكومة عسكرية أو تترك البلاد لمصيرها". وهو ما يدلل على الأهمية الاستراتيجية للنيجر ليس فقط على مستوى الطاقة؛ لكن أيضا فيما يتعلق بمخاطر الأمن والإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، فالنيجر هي المعبر التاريخي لتهريب الأفراد والسلاح والثروات من دول أفريقيا إلى الجنوب، وشمالا من جنوب الصحراء إلى كل من ليبيا والجزائر، كونها تمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقا.

لذلك؛ انقلاب النيجر لن يكون الأخير، وتداعياته الجيوسياسية والاستراتيجية سوف تمتد إقليميا مع تسارع وتزايد حدة ووتيرة التنافس الدولي في إفريقيا؛ وهو ما يستدعي تحركات فعلية من التجمعات الإفريقية خاصة الاتحاد الإفريقي، ومجموعة إيكواس، وكذلك الدول الأفريقية المركزية على رأسها مصر، جنوب أفريقيا، ونيجيريا والسنغال.

search