أسسها الكاتب الصحفي

أمين صالح

الأربعاء، 15 يناير 2025

08:35 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

محمد صبرى

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

محمد صبرى

tru

عصام عبد القادر يكتب.. الوعي السياسي مقابل الأمية السياسية

دكتور عصام عبد القادر

دكتور عصام عبد القادر

A A

يشكل الوعي السياسي الظهير المساند لتوجهات الدولة وخريطتها السياسية؛ لذا تعمل بصورة جادة لتعزيز المشاركات السياسية من قبل المؤسسات والأفراد والكيانات، وتتبع آليات تسهم في تنمية هذا النمط من الوعي لدى جموع الشعب؛ كي يصبح لدى الجميع القناعة بضرورة المشاركات السياسية بكافة أنواعها وصورها، وهذا يجعل الفرد أن يستقي معلوماته من مصادر الدولة الرسمية دون غيرها؛ من ثم يحمي نفسه من التعرض للشائعات المغرضة أو التزييف الذي أصبح سهلًا عبر التقنيات الرقمية.

وفي هذا الإطار ندرك جيدًا أن الوعي السياسي بات أحد المؤشرات الرئيسة التي نحكم بها على مستويات النضج الاجتماعي للشعوب، كما أنه دليل على توافر الحالة الديمقراطية الحقيقية من عدمه، وعبر درجة الوعي السياسي لدى المجتمع نستطيع أن نحكم على مدى التطور الديمقراطي بالدولة، وهنا نرصد حالة نهضة الشعوب التي تتأتى من وعي صحيح يحض على العمل الجاد المتقن في شتى المجالات التنموية والخدمية؛ حيث يدرك الفرد أن مشاركته أمر فاعل في بناء الوطن.

وفي المقابل تجد أن هناك من لا يبالي بما يدور حوله من مجريات أحداث وأسباب تقف خلفها، ولا يحاول أن يتفهم ما وراء الخبر ولا يحاول أن يجهد نفسه في التفسير والاستنتاج ولا يجتهد في أن يطالع المعلومة من مصادرها الموثوقة، وهذا في مجمله يدل على قصد في الجهالة؛ فلا ترى له فعل أو ردة فعل، ويصبح رهن ما قد يوجهه وفق احتياجاته ومتطلباته الأساسية.

وهذا ليس ببعيد عن الحالة السياسية؛ حيث أن ماهية الأمية السياسية تعني أن الفرد لا يهتم أو يعبأ بما يدور حوله من أحداث على الساحة المحلية أو الإقليمية أو العالمية إما متجاهلًا أو غير مهتم أو ليس متابع، وهذا بالطبع يفقده الوعي بالشأن السياسي بالكلية، ومن ثم يصعب عليه استيعاب القرارات السياسية التي تتخذ وجدواها وعمقها وما قد تحققه من غايات ومصالح عليا للدولة.

وثمة آثار سلبية جراء الأمية السياسية نرصدها من ممارسات أصحابها؛ حيث نرى الفرد الأمي سياسًا غير مشارك أو متعاون في الشأن العالم، وفي المقابل نجده ناقدًا ساخطًا يلقى كل ما يواجه من مشكلات، أو عقبات، أو أزمات، أو تحديات على عاتق الدولة ومؤسساتها وقيادتها السياسية، ولا يلقي بالًا بالنتائج والتبعات؛ فجل اهتمامه ينصب حول احتياجاته ومتطلباته الآنية دون غيرها؛ فلا تراه يلقى بالًا بالمستقبل.

والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل نرصد حالة من السلبية غير المسبوقة؛ حيث يتجاهل الفرد الأمي سياسًا كافة المشاركات السياسية التي أقرها الدستور؛ فلا يشارك بالتصويت أو التمثيل الانتخابي، أو بالتعبير عن الرأي من خلال القنوات المشروعة، وللأسف يقع فريسة لجل الشائعات المكذوبة والمغرضة وكافة المغالطات التي تتمخض عن آراء موجه تثار عبر الفضاء غير المنضبط سواءً أكان على الفضائيات أم على صور مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا ندرك مدى أهمية الثقافة السياسية التي تؤكد على ضرورة أن يمتلك الفرد الخبرات المتضمنة للمعارف والممارسات والآراء والتوجهات التي تخص الشأن السياسي للدولة، بل وتعبر عن النسق القيمي الذي يشمل الولاء والانتماء والإخلاص والتضحية والشرف، وما تتضمنه من مفاهيم منها المشاركة والشرعية، والسياسة، والحكم، والدولة.

إن أهمية الوعي السياسي يمكن المواطن من أن يدرك ويفهم كل ما يدور حوله من أحداث جارية، ويفقه تاريخه وجغرافيته، ويتعمق في غور ثقافته، ويتمسك بقيم مجتمعه النبيلة التي تنسدل من عقيدته الوسطية؛ ليتمكن من معالجة ما قد يتعرض له من مواقف أو قضايا بحكمة بالغة وتفكير سديد وموضوعية متزنة ووجدان راق؛ عندئذ تفشل كل محاولات التضليل أو التجهيل أو التشتيت؛ فلا يقع في خطأ بصورة مقصودة تسبب له ولمن حوله إرباكً وإبعادً عن الهدف المنشود.

ودون مواربة إننا في تلك الفترة الحرجة المليئة بالأحداث الدامية والتغيرات الجيوسياسية وحالة التراجع القيمي لا شك نستشعر خطورة ما يمارسه أصحاب الأجندات المأجورة عبر أبواقهم المتعددة من نشر ممنهج لمفاهيم مغلوطة تستهدف الحض على العنف والخروج عن سياق جماعة الدولة وكيانها والتوجه لهدم مؤسساتها والتوحد خلف ماهية فقد الثقة، وهذه بداية لمرحلة تنحرف فيها الأفكار ويتوالد منها شياطين الإرهاب بمختلف تنوعاته المقيتة؛ فلا يقتصر بحال على استخدام القوة؛ وإنما يبغي هتك نسيج الأمة المصرية بصورة مباشرة.

نحن في حاجة ماسة للقضاء على الأمية السياسية؛ حيث إن ضمير الأمة المصرية كائن في وعي شعبها القويم الذي تغمره القومية البحتة المنسدلة من إيمانه بالعدل والمساواة والعزة والكرامة، ناهيك عن مواطنة صالحة قائمة على قيم ووجدانيات راقية تشعرنا بالمسئولية في نهضة وبناء وإعمار الدولة المصرية؛ لتعتلي المكانة اللائقة بتاريخها وحضارتها التي لا نظير لها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

search