أحمد محمد توفيق يكتب.. قرار «الأزهري» يعيد هيبة المنبر

شعرت بالارتياح في صلاة الجمعة الماضية، لدى الخروج أخيراً من دائرة الخطبة الموحدة، حتى ولو مرحلياً، في خطوة تعيد لهذا الطقس الديني روحه المفقودة.
خطوة وزارة الأوقاف، أنهت الجمود الذي سيطر على خطبة الجمعة بعد قرار توحيدها قبل أكثر من 8 سنوات، حيث بدأت الوزارة مع أول جمعة في العام الجديد، الإبقاء على الخطبة الأولى موحدة على مستوى الجمهورية، مع إعداد 3 نماذج مختلفة للخطبة الثانية، وتحديد قائمة محافظات لكل نموذج، لتتضمن تلك النماذج قضايا بارزة ذات خصوصية للمحافظات المُنتقاة.

وهذه الخطوة تُمثل في حد ذاتها تحركاً إيجابياً من وزارة الأوقاف، بعد سنوات من توحيد الخطبة، ليس كموضوع فقط، ولكن أيضاً كنص مكتوب، الأمر الذي كان يتعارض مع ضرورة احترام العقول، سواء للمتلقي؛ مع انفصال الخطبة الموحدة في أحيان كثيرة عن القضايا الحيوية التي يفرضها التوقيت أو الشواغل الراهنة، وكذلك للأئمة؛ حيث يقطع توحيد الخطبة الطريق أمام المنافسة الحميدة فيما بينهم سعياً للتميز والتفرد.
ولعل ترك مجال أوسع للأئمة لاختيار موضوعات متنوعة لخطبة الجمعة، يخدم الهدف الرئيسي لها، حيث يعيد إنصات المستمع للرسائل الصادرة عن المنبر، من خلال حث الأئمة على استرجاع الجهد البحثي، بالتمعن في المراجع الدينية وكتب التفاسير، سعياً لانتقاء قضايا مهمة، وتناولها بصياغة محترفة، وعبارات رصينة، مع الحرص على تقديم الخطبة بمهارة إلقاء تجذب تركيز المستمع وتحفز تفاعله.

وهناك ثناء مُستحق على الموضوعات المتنوعة التي تم اختيارها للخطبة الثانية هذا الأسبوع، والتي شملت الهجرة غير الشرعية بالمحافظات الأكثر تصديراً لهذه الظاهرة التي تمس مستقبل شبابنا، فضلاً عن مشاكل الصيادين بالمحافظات الساحلية أو التي تضم بين حدودها بحيرات زاخرة بالثروة السمكية، وأخيراً حق المرأة في الميراث وانتقاء محافظات تتطلب توعية أكبر بهذا الملف، الأمر الذي يجعلني أنتظر بشغف قائمة الموضوعات التي سيتم اختيارها خلال خُطب الجمع المقبلة  
التمرد على تابوهات الخطبة الموحدة كان قراراً شجاعاً من وزير الأوقاف الحالي الدكتور أسامة الأزهري، ومحاولة جادة للخروج من مساحة الراحة التي يضمنها توحيد النص، ولكن أتطلع لأن يتبع الخطوة الحالية خطى جديدة وسريعة لخلق مناخ أكبر للاجتهاد، خاصة أن ذلك يتوازى مع جهود الوزارة الواضحة لتدريب وتأهيل الأئمة، وكذا الاختيار بعناية للكوادر الجديدة التي تعتلي المنبر بما يحفظ دوره ورسالته.