الأحد، 08 سبتمبر 2024

06:33 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

محمد فؤاد يكتب: مصر التي داخل الصندوق (1)

د. محمد فؤاد

د. محمد فؤاد

A A

طرحتُ كثيرا أن الدولة -أي دولة- لا بد أن يكون لها هوية اقتصادية واضحة ترسم دستورها وقواعدها ذات الصلة بالملف الاقتصادي حتى تكون هناك مرجعية لأية خطط أو مشروعات، وأيضا حتى تهتدي دوائر صنع القرار إلى ما يُفترض إتباعه في الظروف والمحن على اختلافها أو أن تحدد بناء عليها الطريق المتبع للوصول إلى المستهدفات.

ويتبع الاتفاق على هذه الهوية أو يمضي بالتوازي معها في قدر الأهمية، تنفيذ أسس ومفاهيم علم الإدارة، المعرف تبسيطا بأنه القواعد والمبادئ العلمية التي تهتم بالاستخدام الأنسب للموارد من قبل المؤسسات -من ضمنها كيانات الدول- لتحقيق هدف المؤسسة بأقل وقت وجهد وكلفة ممكنة، حيث تمثل الإدارة عملية معقدة مستمرة تتضمن العديد من الخطوات بينها التخطيط والتنظيم ثم التوجيه ثم الرقابة على مجموعة من الموارد الطبيعية والبشرية لتحقيق أهداف محددة.

وبلا شك إدارة الدول بفعالية ولأهداف تنموية تتطلب تبني أسلوب إدارة متوازن ومنهجي، عملا على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة، وهو ما يساعد على تحسين الكفاءة والفعالية في استخدام الموارد البشرية أو الطبيعية وتوجيهها للإطار الصحيح، وأيضا يعمل على تعزيز الشفافية والمساءلة ويقضي على مواطن الفساد.

وأظهرت التجارب المختلفة أن اتّباع أسلوب إدارة في حكم الدول ليس مجرد خيار، بل ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار والازدهار، كما أن الحكومات التي استثمرت في تحسين أساليب إدارتها جنت فوائد متعددة على المدى القصير والطويل، وهو ما انعكس إيجابًا على مواطنيها واقتصادها ومكانتها الدولية علاقاتها السياسية والاقتصادية.

قد يظن البعض أن هذا الحديث نظري أكاديمي لا يخرج من الكتب لكنهم في الحقيقة على خطأ، فنسبة نجاح الدول واستقرارها تكون مبنية بشكل أساسي على مدى إتباع أسلوب إدارة رشيد في حكم هذه الدولة سواء بشكل عام أشمل أو على المستويات الأقل.. أي أسلوب إدارة على اختلاف نظرياته وإن كانت الحديثة منها هي الأقرب للصواب والأكثر تفاعلا مع تطور المجتمعات ومواضع التنفيذ.

أعلم أنه من كثرة التعود على التطبيش -وهي كلمة فصحى بالمناسبة- قد تم تناسي الأسس والبديهيات التي تمثل في حالتنا فريضة لا غنى عنها لإعادة الأمور إلى نصابها دون عنتريات أوصلتنا إلى أزمات وإشكاليات عديدة سوف يحين استعراضها لاحقا.

وبالطبع كان يمكن تجاهل أغلب هذه الأزمات التي نعانيها على مدار أعوام كثيرة حال اعتماد أدنى مفاهيم علم الإدارة وأبسطها، فما بالك لو كنّا نعلي من شأنها ونحترم قواعدها أسوة بكل المؤسسات الناجحة والمستقرة.

قد يكون هذا الحديث بديهي لكن ظروفنا تتطلب التنبيه بمثل هذه البديهيات التي لا يمكن بناء وحكم دول عظمت كانت أو صغرت دونها، لأنها تمثل نسق عام ينعكس أثره على كل شيء وتمثل منظومة عمل مستمرة تضمن معالجة الأمور بأسلوب سليم.

أما حديث البعض ومطالبته بوصفة سحرية من خارج الصندوق لإنقاذ الموقف وتحقيق طفرة فهو من درب الخيال ليس لشيء سوى أنه لم يتم تجريب ما في الصندوق من أساسه حتى نبحث عما هو خارج الصندوق.

على سبيل المثال فالإدارة الرشيدة تستلزم قياس أي هدف بشكل حقيقي ووضع مستهدفات من شأنها قياس الأداء ثم وضع إجراءات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع ومتابعة عملية التنفيذ بإتباع أسس الرقابة والشفافية وصولا إلى النتيجة ثم التحسين المستمر حال عدم الوصول للمستهدف أو حال الرغبة في وضع مستهدفات أكثر طموحا.

تخيل أن أي مشكلة تواجه الدولة لو تم معالجتها بشكل علمي دون فقه مسايرة الأمور يوما بيوم لكان أغلب ما نعانيه الآن غير موجود من أصله، لكن للأسف اعتدنا التصريحات العنترية والتطمينات غير المجدية وفي الآخر نتحجج بالظروف الخارجية.

المشاهد والأمثلة كثيرة وسوف أتناولها تفصيلا لاحقا، خاصة وأنه كما يقال: «النجاح هو ما نقوم به مرارا وتكرارا، وهوما يعني أن التميز إذن ليس فعلًا، بل عادة».

أما انتظار حلول «خارج الصندوق» وأفكار جديدة لم تطرح مسبقا دون إتباع المبادئ ومن ضمنها علم الإدارة، فهو في تقديري مشهد أشبه بالتداوي بالأحجبة، لأنه كما أسلفت الصندوق لم يُفتح أصلا وكل العثرات التي وقعنا فيها طوال أعوام هي نتاج عدم ايماننا بالعلم وتجاهل أسس الاقتصاد والإدارة وأيضا الرغبة فقط في تحقيق منجزات على الأرض بما طغى على المنفعة منها.