شفشاون المغربية، مدينة الماء والخضرة والوجه الحسن
شفشاون مدينة مغربية تقبع في أحضان جبال شمال المغرب
أحمد البهنسي
شفشاون أو الشاون، مدينة مغربية تقبع في أحضان جبال شمال المغرب، على بُعد نحو أكثر من ساعتين بالسيارة من مدينة طنجة حيث مجمع البحرين، كما يُقال، أو مضيق جبل طارق، ملتقى بحري المتوسط والأطلسي.
وشفشاون، مدينة (غريبة) كما أشياء كثيرة غريبة في المغرب؛ لذلك يردد أبناؤه كثيرًا عبارة (إذا كنت في المغرب فلا تستغرب)، ولعل أغرب ما في هذه المدينة هو جمالها الساحر ولونها الأزرق الذي تعددت الروايات حول أصله وسبب طلاء أبنية المدينة به، لدرجة أنه بات يُطلق عليها (الجوهرة الزرقاء).
كثيرين كتبوا عن «شفشاون»، وصوروا كل ركن وجنب فيها أكثر وأكثر، لكن إذا كنت من المحظوظين بزيارتها، مثل كاتب سطور هذا المقال، فستعرف حينها أن الصور لم تكن تُخبر إلا بالقليل فقط من جمال وسحر وفتون هذه المدينة.
رأس الماء
واذا بسطنا الأمر، لوصف جمال هذه المدينة، فإنه يتلخص في الجملة الشهيرة (الماء والخضرة والوجه الحسن)؛ فالماء الذي يخرج من ينابيع عديدة بالمدينة ومن على مشارفها هو، من وجهة نظري، مصدر حسنها ومنبع فتونها، وهو ما يتجسد في الكثير من مواقع المدينة لكن أبرزها منطقة تسمى برأس الماء، لما زرته صدفة في نوفمبر من العام 2011 وجدت فيه راحة للنفس ومتعة للعين لا تضاهيها راحة ولا متعة.
أجمل ما كان في هذا المكان هو الماء الذي ينبع وينهمر من قمم هضاب خضراء ليصب في تجمع مائي عميق تعلوه هذه الهضاب وينتهي مجرى الماء فيه إلى مغارة منحوته أسفل هذه الهضاب، التي تقف عليها نساء مغربيات يرتدين الزي الجبلي المغربي الأبيض والمخطط بخطوط حمراء وبيضاء، يغسلن بعض الزرابي والسجاجيد.
لفت انتباهي كذلك تلك الحالة من البهجة والجلبة الجميلة التي تلف المكان النابعة من صوت خرير ماء لا يهدأ ومن أصوات الزائرين الذين، لا شك، تتعالى أصواتهم تعبيرًا عن فرط جمال المكان، علاوة على أصوات الماعز التي تغدو وتروح به تلعب تارة وتتناطح تارة أخرى.
ساحة وطاء الحمام
أما زيارتي الثانية للمدينة فكانت في مايو 2024، وكان لافتًا أيضًا ما رسمه الماء من جمال فتان بها، لاسيما وأن الغيث كان قد انهمر بسخاء كبير من المزن بأمر من رب كريم بعد سنوات من الجفاف شهدها المغرب وهو البلد الذي يعيش على المطر وبنسبة انهماره تقاس نسبة نمو اقتصاده كما قال عاهله الراحل الملك الحسن الثاني، رحمه الله.
فبمجرد اقترابي من مداخل المدينة في الحافلة القادمة من مدينة طنجة قابلتني شلالات وبحيرات صغيرة من المياه العذبة منها الأخضر ومنها الأزرق ومنها الرمادي، وهي البحيرات التي تُعد سدودا بنيت لتخزين المياه وسقي الزروع، لكنها في الوقت ذاته ترسم لوحة طبيعية جميلة ورقيقة جدًا لمشارف المدينة وتخومها.
وشفشاون مدينة صغيرة، قليلة المعالم والمآثر، فخلال زيارتي هذه لم أفكر كثيرًا في أي الأماكن التي أزورها بالمدينة، فقد كان عليّ أن أقصد مباشرة وبدون تردد ساحة وطاء الحمام بقلب المدينة، وهي عبارة عن ساحة دائرية على أطرافها عدد من المقاهي والمطاعم والحوانيت والبازارات، وتُعد مدخلًا للبلدة العتيقة لـ شفشاون.
لما زرت هذه الساحة وجدتها مكتظة بالسائحين، ليسوا من الأجانب وحسب بل من المغاربة من مدن أخرى أيضًا، وجدوا فيها، مثلي تمامًا، ملتجأ للتمتع بسحر خضرة المدينة وجمالها وراحة للنفس وسكينة للروح، لاسيما وأن هذه الساحة تحيط بها رموزًا روحية ودينية مثل المسجد الأعظم، علاوة على عدد من الزوايا الدينية الشهيرة لرموز المتصوفة المغاربة من أبرزها زاوية أبي الحسن علي النوازلي.
مبنى القصبة
لكنك حين تزور هذه الساحة لن تتردد في الدخول إلى مبنى القصبة التاريخي مباشرة، الذي يستحوذ على الجزء الأكبر من مساحة هذه الساحة، وهو مبنى له أسوار شاهقة مغربية الطراز ويحتوي على عدد من المآثر الأخرى بداخله.
ولما دخلت القصبة، سقطت في نفسي راحة وبهجة غريبة، فهو مكان مليء بالخضرة والأشجار، علاوة على حديقة غناء تسر الناظرين تسمى بالحديقة الأندلسية تتوسطها نافورة ماء تتراقص أصواتها مع أصوات طيور وبلابل لا تكف عن الحوم بالمكان.
وفي جولتي بالقصبة، صعدت إلى ما يسمى بالبرج البرتغالي وهو بناء شاهق في كل دور منه عدد من النوافذ، لترى عيني مشهدًا ولا أروع من الأعلى للمدينة، والتي تظهر أمامك كما امرأة في أبهى حسنها وأزهى حلتها تهيأت لعريسها في ليلة الزفاف.
وفي القصبة، كذلك زرت الحبس أو السجن المخيف الذي أعده أحد سلاطين المغرب للعصاة والمعارضين، لكن أكثر ما أعجبني هو ذلك المتحف الاثنوجرافية بأحد أبنية القصبة، والذي يحتوي على مجموعة مميزة من القطع الأثرية والمصنوعات اليدوية والخرائط واللوحات التي تسرد تاريخ المنطقة، ففي جولتي بهذا المتحف شعرت أني تجولت بتاريخ المنطقة وحضارتها وأخذني بعيدًا في طيات التاريخ رغم أني لم أبرح المكان.
البلدة القديمة
وبعد خروجي من القصبة أخذتني قدمي بشكل تلقائي إلى البلدة القديمة لشفشاون، وهي البلدة التي يحتاج التجول فيها لساقين قويتين جدًا، لأن دروب هذه المدينة وأزقتها مليئة بالدروج والمطالع والمنازل، فبقدر ما ترتاح عيناك وتسر بما في المدينة من جمال وألوان زاهية بقدر ما ترهق قدميك نتيجة كثرة الصعود والنزول بها.
والبلدة العتيقة بشفشاون، كما لو كانت قطعة سقطت من السماء، فكل ما فيها ملون بالأزرق، وفي كل ركن فيها ستجد لوحة فنية تحتار في تصويرها من أية زاوية.
ستقابلك أيضًا كثيرًا من الحوانيت التي تبيع منتجات التجميل والعطارة الشاونية الأصلية، وكذا الكثير من البازارات التي تبيع الهدايا التذكارية واللوحات الفنية الجميلة للمدينة.
إلا أن ما لفت انتباهي خلال جولتي هو كثرة القطط بهذه المدينة، ولما سألت أحد السكان المحليين العاملين بالسياحة عن هذه الظاهرة، قال إنها علامة على السلام والأمان بهذه المدينة، فلا يمكن أن يتعايش الحيوان مع الإنسان في أي مكان إلا وإذا كان به هذا السلام والأمان.
أقشور
وفي هذه الزيارة لشفشاون، نصحني صديق مصري متزوج من مغربية ويعمل مرشدًا سياحيًا بشفشاون، بزيارة منطقة تسمى (أقشور) تقبع عند تخوم المدينة على بُعد نحو 45 دقيقة بالسيارة منها، وهي عبارة عن جنة من جنان رب العالمين على الأرض، حيث جبال شاهقة نحتت فيها سيول المياه والأمطار شلالات وخضرة بكل مكان، أينما وجهت نظرك وجدت خضرة وحسنًا وجمالًا يجعلك تتساءل إذا كان كل هذا الجمال على الأرض، فما بالنا بجنة رب العالمين؟.
جمال «أقشور» لا يتوقف عند الماء والخضرة وحسب، بل إن ما يسحرك أكثر هي تلك الأجواء الخلابة بهذه الجنة الأرضية، فراشات مختلف ألوانها تحوم من حولك، طيور جميلة تحوم في المكان بكل حرية، روائح النعناع الجبلي والياسمين وأشجار البرتقال تشمها منذ اللحظة الأولى التي تطأ قدميك هذه المنطقة، وقبل كل ذلك سماء زرقاء صافية وسحب كقطع الثلج تلامس جبال أقشور وتحتضنها، وشمس ساطعة، تداعب بأشعتها الذهبية أشجار المكان وماؤه لتزيده سحرًا وجمالًا.
الوجه الحسن
وإذا كان الماء هو أصل كل شيء حي فإنه، في نظري، هو أيضًا أصل كل شيء حسن، إذ يتجلى فعل الماء في حسن «شفشاون» ليس في أبنيتها وأزقتها وخضرتها وحسب بل في ناسها أيضًا، فالوجوه الحسنة ستراها أينما اتجهت، خليط من جمال أندلسي أوروبي ممزوج بجمال إفريقي أمازيغي عليه مسحة لافتة من دلال عربي بخصوصية مغربية فريدة من نوعها.
فمن وجهة نظري المرأة الشاونية تتربع على عرش حسن جمال نساء المغرب، لذلك لم أتعجب من المثل المغربي السائر القائل (إذا بغيت الجمال سير للشمال) أي إذا كنت تبتغي الجميلات من النساء عليك أن تذهب إلى شمال المغرب، وأظن أن الشاونية هي درة تاج جمال نساء المغرب، وأحسب أنه أيما رجل ابتغى الحسن في إمرأة، فإن «شفشاون» ستكون قبلته الصحيحة.
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً