الخميس، 21 نوفمبر 2024

08:01 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

محمد رزق يكتب: المصلحة العامة تبدأ من مصلحة الفرد

محمد رزق

محمد رزق

A A

هذا العنوان المقتبس من مقولة الأب الروحي للاقتصاد المعاصر، أدم سميث، 1723-1970، هو ما سنحاول شرحه في مقال اليوم، وكيف نجحت الدول التي وضعت مصلحة الفرد أولاً لتحقيق مصلحة المجموع؟، باعتبار أن الفرد هو الأقدر على اختيار مصلحته الخاصة، وتحقيقه هذه المصلحة الشخصية ما يساهم في تحقيق مصلحة المجتمع، وهو ما شرحه أدم سميث في كتابه ثروة الأمم.

هذه الفلسفة انطلقت منها دول الاقتصاد الحر، التي وضعت مصلحة الأفراد فوق مفهوم المصلحة العامة، في سياق فهم مبدأ المنافسة، فالدول التي تحترم مصلحة الفرد وتحميها بالقوانين، هي الدول التي نجحت في ضخ أموال في الاستثمار والإنتاج والتجارة، ووصلت إلى ما يعرف اليوم بسلاسل الإنتاج في العالم، وفرت ملايين الوظائف وفرص العمل، وأصبحت منظومة أو قانوناً عالمياً، ومحاولة التدخل فيها إو محاولة التأثير عليها احتوائها، له انعكاسات عالمية لا يحمد عقباها، لذلك نجد الدول العظمي، تتسابق على إعطاء ميزات أكبر للشركات والمستثمرين، والذين هم في الأساس أشخاصاً يبحثون عن مصالحهم الشخصية.

هذه المقدمة كانت ضرورة لفهم كيفية تحقيق المصلحة العامة، وفقاً لفلسفة أكثر المفكرين الاقتصاديين الليبراليين تأثيراً خلال القرون الثلاثة الأخيرة وحتى اليوم، عن طريق تحقيق مصلحة الفرد، ولن تتأت هذه المصلحة إلا في إطار عقد بين الدولة والأفراد، قائم على احترام مصلحة الأفراد وجعلها أولوية، مع عدم منافسته، مع إطار تشريعي وقانوني مؤسسي يضمن تحقيق هذا المبدأ، وهو ما أهمس به في أذن أصحاب القرار الاقتصادي في مصر، لأنه الباب الوحيد الذي يمكن أن تخرج منه مصر من أزمتها الاقتصادية الحالية، لآفاق أوسع، تعبر به وضعها المأزوم، ولكن هل لدى مصر الفرصة لتحقيق ذلك، وهل لدينا بنية اجتماعية صالحة لتنفيذها؟.

أقول أن مصر بالفعل لديها الفرصة، ولديها بنية اجتماعية أصبحت جاهزة لتطبيق هذا المفهوم، ولو على المستوى الأدنى منه في مجال المشروعات الصغيرة، فقط إذا وفرت لهم الدولة حرية المنافسة، ورفعت عنهم ولو مؤقتاً تتبع البيروقراطية، وهو ما يذكرني بحديث الرئيس السيسي قبل عامين لوزير الداخلية، بأن أصحاب مصانع بير السلم "عايزين يشتغلوا"، في إشارة إلى أن تتبع هؤلاء لا يجب أن يكون بمعاملتهم كمجرمين متهربين من الضرائب أو التراخيص تجب معاقبتهم، على العكس من ذلك على الدولة أن تتركهم يعملون، وتوفر لهم إغراءات أكبر للاستمرار والدخول بإرادتهم للاقتصاد الرسمي، من خلال حزمة من الحوافز التشجيعية، على رأسها توفير تمويل إضافي لأصحاب هذه المهن، ولو في صورة توفير أماكن أوسع أو مواد خام أو ماكينات تصنيع، بعيداً عن "البنكنوت".

أما الجانب الآخر من نجاح هذه الفلسفة، فهو أن تؤمن الدولة بأن دخولها في المنافسة، لن يكون هو الضامن لاستقرار السوق، بل العكس هو الصحيح، فدخول الدولة في الاقتصادي طارد للمستثمر، مُحبط لطموح الأفراد في الابتكار والمجازفة، وهو المبدأ الذي قامت عليه فلسفة أدم سميث، وعبر عنها بمفهوم الأنانية لتحقيق المصلحة الخاصة، والتي هي في الوقت نفسه تحقيق لمصلحة الآخرين، فكلما توسعت مصلحة الفرد في الاقتصاد على الدولة أن تفسح له المجال أكثر، وتكون بذلك قدمت أكبر خدمة للمجتمع، وهو ما يعود بنا لمفهوم الصالح العام، فسعي الفرد للمصلحة العامة لن يكون أكثر فاعلية من سعيه لتحقيق مصلحته الخاصة، بل ربما يحدث العكس، أن يستغل سعيه للصالح العام للاستفادة الفردية منه، لذلك يكون الصالح العام ليس هدفاً اجتماعياً، بل يجب أن يكون وسيلة للعيش المشترك دون اللجوء للعنف، وهو ما يستلزم قواعد وقوانين ومؤسسات تكفل تحقيق هذا التنافس، لتكون بذلك الدولة قد حققت مفهوم المصلحة العامة دون الجور على المصلحة الخاصة.

search