الإثنين، 25 نوفمبر 2024

02:11 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

محمد رزق يكتب: عليكم بالتعليم

المهندس محمد رزق القيادي بحزب مستقبل وطن

المهندس محمد رزق القيادي بحزب مستقبل وطن

محمد رزق

A A

لا يخلو أي نقاش حول مستقبل الأمة، إلا وكان ملف تطوير التعليم حاضراً، فالجميع ممن ينظرون لمستقبل مصر، على اختلاف تخصصاتهم وأماكنهم، متفقون على أن تطوير التعليم هو الأولوية بعد عقود من الانهيار، حتى أصبح قضية مستعصية الحل، لكثرة أبعادها، فتطوير التعليم الأساسي للأطفال في المهد، لن يجدي بدون بنية تحتية وإمكانيات تتوافق مع التكنولوجيا الحديثة، وكذلك لن يجدي تطوير البنية التحتية دون تأهيل جيد للمعلمين، ولن يجدي كل هذا إذا كانت البيئة الاجتماعية لمتلقي التعليم لا تؤمن بأهميته وأولويته بالنسبة للأبناء، كما أن التعليم سيغير حتى ثقافة الناس وطريقة التعامل بينهم حتى في أبسط الأمور والأزمات الاقتصادية ، حتى يغير طريقة التعامل مع السياح الأجانب ويصبح شعبا راقيا متعلما يضيف ولا ينتقد بصورة فجة.

زد على ذلك ما شهدته مصر من توسع في التعليم "القيمي المؤدلج" الذي انتهجته بعض المؤسسات الدينية، خاصة إذا كان المعلم هو صاحب التأثير الأقوى على التلاميذ في المراحل الأولى، وسينظرون للمستقبل بعين معلمهم، فإما أن يطلق لهم حرية التفكير والتعبير والإبداع، أو يضعهم في إطار مغلق، محكوم بضوابط يرى أنها قيمية أو دينية تحجب الرؤية لما يستجب التفكير والاطلاع على كل شيء، وهذه قضية جوهرية في ملف التعليم إذا أرادت الدولة دخول القرن الـ21، لا سيما وأن القوة الحقيقية الآن لمن يملك المعرفة والعلم، وليس السلاح فقط، فحتى الأسلحة هي أحد مخرجات المعرفة والعلم، فما بالنا بالاقتصاد والتنمية وبناء دولة قوية.

على ما سبق، تبقى حقيقة واقعية لا يجب إنكارها، وهي أن التعليم في مصر مازال يعيد إنتاج الماضي، إلا صفوة اختارت الاستثمار في التعليم، والمعروفة بمدارس الـ"الإنتر ناشيونال" ذات الجودة والمصروفات العالية، وعدد هذه المدارس محدود، ولا يمكن الاعتماد عليها للنهوض بالتعليم في دولة بحجم مصر، تعاني الأغلبية فيها من انخفاض الدخل ولا تقوى على هذه التكلفة، وكذلك ارتفاع معدلات الأمية لنحو 35%، إلا إذا قررت الدولة دعم الاستثمار في هذا التعليم، بدلاً من دعم التعليم ذاته، فهدف الدولة (أي دولة) وجود نظام تعليمي قادر على إخراج كوادر تمثل قيمة مضافة عند دخولهم سوق العمل، فإذا كانت أولوية الدولة حالياً هو النهوض بالاقتصاد، فلا مفر أمامها سوى بوجود نظام تعليمي حديث، قائم على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، وهدفه التطوير، ودخول مجتمع الصناعة والمنافسة، وليس استيراد التكنولوجيا واستعمالها فقط، وليس أقدر على تنفيذ هذه الرؤية أكثر من القطاع الخاص والاستثماري، والذي يعي بطبيعة الحال حاجة سوق العمل، وهو من يستقرئ الواقع.

مصر على أعتاب نهضة صناعية وتجارية واسعة بفضل البنية التحتية الحديثة والمشروعات القومية التي نفذتها الدولة، ولا بد من وجود تعليم مهني قوي قائم على خبرات مهنية متعلمة ومتدربة على أعلى مستوى، ولا بد من إرسال بعثات للمتدربين المهنيين للخارج والاستفادة من الخبرات العالمية ونقلها إلى مصر بهدف الحصول على منتجات صناعية وخدمات حرفية على أعلى مستوى، كما لا بد أن تتغير ثقافة الشعب المصري في النظرة المتدنية للتعليم المهني والعمل المهني بصفة عامة، فهو لا يقل أهمية عن العمل المجتمعي والخدمة، فهو أساس بناء أي دولة حديثة، كما لا بد من عمل تصنيف محلي للعمل المهني قائم على المعايير الدولية في هذا القطاع. والقطاع الخاص سيكون هو المستفيد الأكبر من هذه البنية، لذلك فهو من سيستفيد من المنتج التعليمي، وعليه اختيار نظام التعليم الأصلح للاستثمار فيه والاستفادة منه.

كنت ممن أيد مشروع الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم السابق، بالاعتماد على نظام "بوكليت" واستخدام الطلاب لـ"التاب" رغم المشكلات التي واجهت تنفيذ المشروع، وهذا طبيعي، وأعجبني أكثر ما أعطته القيادة السياسية ممثلة في الرئيس السيسي شخصياً، من صلاحية كاملة لوزير التعليم لتنفيذ مشروعه، وتحمل الرئيس شخصياً المسؤولية السياسية لنتائج التجربة أمام الرأي العام،  فكل تجربة يجب أن تظهر فيها سلبيات وعوائق تستوجب إعادتها مرة أخرى، مع تفادي الأخطاء في المرة التالية ومعالجة القصور الذي يظهر عند التجربة حتى تنجح التجربة، لكن ما حدث هو أن البيئة الاجتماعية للتلاميذ "أولياء الأمور" وكذلك المعلمون لم يستوعبوا هذه التجربة، وطالبوا بإعادة المنظومة التقليدية وإلغاء البوكليت والبابل شيت، فكان التراجع عن التجربة ومحاولة تنفيذها بسرعة أقل، هو الاختيار الأفضل لتهيئة كل الأطراف على تنفيذ هذا المشروع.
وأهمس في أذن الرئيس السيسي، أن يخصص أراضي فضاء ضمن أحزمة كل الطرق الجديدة بالقاهرة الكبرى، على مسافات محددة سلفاً، وطرحها للمستثمرين لإنشاء مدارس جديدة متطورة للتعليم الأساسي والمهني، وسط الكتل السكنية بمدن القاهرة الكبرى مبدئيا وانتقالها إلى باقي المحافظات، خاصة المحافظات الحرفية مثل دمياط وغيرها، والتي شقت الدولة الطريق وسطها لتصل إليهم بالمرافق، وليس هناك أهم من مرفق التعليم.. وعلى الله قصد السبيل.

search