علاء عصام يكتب: الحوار الوطني عودة الروح لوطن مجروح
النائب علاء عصام
«وعد فأوفى» هكذا اعتدنا من رئيس مصر، الذي أثبت للجميع، أن ما يعلنه ملزم لنفسه قبل الجميع، فكان إعلانه عودة الحوار الوطني، الذي انطلق في رمضان قبل الماضي، فور فوزه في الانتخابات، صفعة علي وجه قنوات الإخوان والمشككين وملوك الشائعات، الذين راهنوا مرارا وتكرارا، بعدم عودة الحوار، وأن السلطة في مصر كانت تستهدف من الحوار تهيئة الأجواء للانتخابات الرئاسية.
وفي ظني أن استمرار فاعليات الحوار الوطني الذي لم يتوقف مطلقا، بل كان أعضاءه والمشاركين فيه في استراحة مؤقته لم تتجاوز ثلاثة أشهر، دليل ورسالة مفادها أن "الرئيس السيسي يؤمن بالتشاركية في الإدارة وبحق كافة المختلفين في الرأي أن يعبروا عن أراءهم دون أي ضغوط أو تضييق كما يزعم الأعداء، بل يعلنها دوما قبل الانتخابات وحتي الآن أنه سيوافق علي كل مخرجات الحوار طالما كانت قابلة للتنفيذ وفي مصلحة الوطن".
جاء الحوار في توقيت مهم، وبدأ شعبيا من خلال مؤتمرات كيان ونواب تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، الذين نظموا أربعمائة مؤتمرا شعبيا في كل محافظات مصر، واستكملت أعماله علي مستوي الخبراء وقيادات الأحزاب والمجتمع المدني، وكل ممثلي الشعب، من نواب وقادة نقابيين وممثلين عن كل المهن، وصدر عنه مخرجات كان التوافق عنوانها، وكنا أمام مشهد لم يحدث في العالم، حيث شاهدنا الجميع رغم اختلافاتهم، يتحدون أنفسهم للوصول لأعلي درجات التوافق، رغم أنهم شاركوا في الحوار مختلفين من أقصي اليمين لأقصي اليسار.
وعزف كل المشاركين في الحوار، علي أوتار المشكلات، التي يعاني منها وطننا المجروح والمحاصر، من كل حدوده، والمستهدف منذ بداية تأسيسه أي منذ آلاف السنين، ومازال يعاني من خطر الأعداء.
واستطاع الشركاء في الحوار حتي الآن ،أن ينسجوا مقطوعات موسيقية متناغمة، من المخرجات التي تحافظ علي بقاء هذا الوطن، وتساهم في تنميته، وأبرزها الإشراف القضائي علي الانتخابات وقانون الوصاية ونظام انتخابي واحد للمحليات توافق عليه الجميع بلا استثناء.
ومن الآن نستطيع أن نراهن كما راهن زعيم مصر، علي أن الحوار طريق مصر لوضع أسس وقواعد الجمهورية الجديدة والتي ترفع شعارات "الحداثة والتنوير والتنمية والعدالة الاجتماعية وحماية أمن مصر القومي ومستقبلها".
ومن المؤكد أن اختيار ثلاث محاور وهي "اقتصادية واجتماعية وسياسية" والتي يتفرع منهم أكثر من مائة عنوان ومناقشتها في توقيت واحد يعني بلا مجال للشك أن هذا الحوار ولد كبيرا وسيستمر لسنوات وسيكون برنامج عمل الرئيس السيسي في كل الملفات ووسيلة من وسائل الرقابة والمحاسبة الشعبية، والعجيب أن رئيس الجمهورية وحكومته يصنعون برنامجهم بمشاركة ممثلي الشعب وكل الفاعلين في الوطن أليس هذا يعبر عن مشهد من مشاهد الديمقراطية الشعبية؟، أي مشاركة الشعب وممثليه في حل قضايا الوطن ومحاسبه الفاسدين، و مواجهة كل أعداء الوطن وكأن المجتمع كله، رغم الاختلافات الجذرية بداخله أراد أن يركب في سفينة الوطن ويتحد لإنجاز مشروع مصر المستقبلي ومواجهة كل التحديات علي أرضية وطنية تشاركية.
ظهرت هذه المشاعر في الانتخابات الرئاسية، والتي شارك فيها 66٪ من المصريين، وكان مشهد يعبر عن إصرار المصريين وتحديهم لأنفسهم، لاستكمال ما بدأوه في ثورة 30 يونيو ألا وهو إنقاذ مصر من عصابة إرهابية، والدفع بها نحو مشروع تنموي عظيم، نستهدف منه بناء دولة صناعية وزراعية منتجة، تضاهي كل الدول المتقدمة ونلحق من خلال هذا المشروع بالثورة الصناعية الرابعة والخامسة بعد أن فاتنا قطار الثورات الثلاث الأولي.
كل ما جاء في مقالي ليس من باب الافتعال، أو ركوب قطار التفاؤل الذي ليس له نهاية وكأنني أتحدث عن كوكب أخر، بل هو أيمان راسخ، بأن هذه الأهداف سيحارب من أجلها الشعب وشبابه الذين تجاوز عددهم 60٪ من الشعب ، وحلم رئيس وجيش ودولة تحدت العالم المجنون، في 30 يونيو وهذا العالم أغلب الفاعلين فيه مجرمين يعطوا مبررات دائمة لأخر احتلال عسكري وبربري وفاشي وصهيوني في العالم، ومازال هؤلاء يعيشون ويتقدمون بالحروب واستغلال الشعوب بل استغلال شعوبهم أيضا قبل شعوبنا ويحققون ثرواتهم، علي حساب دماء وارواح قارتنا الأفريقية، وكل مكان يستغلون ثرواته بالقمع والأعلام والحصار الفتاك، وكذلك بشعارات الديمقراطية المزيفة والتي كست جفون عينها الصمغ، وأصبحت عمياء، لا تشاهد أبشع مجزرة يشهدها العالم علي أرض فلسطين.
وعلينا جميعا أن نعي جيدا، أن مصر وكل المضطهدين في العالم ، مازالوا في محور المقاومة، ولا يجب أن نعتبر أو نسلم بأن المشروع الغربي غضب الهى محتوم أو واقع، بل هو من صنع المستعمرين وأصحاب الشركات العابرة للقارات ومصنعي السلاح وعلينا أن نقاومه ونضع طوبة أو رقعة حجر في مشروع صناعة عالم جديد يكون منحازا للإنسانية ولكل شعوب الأرض.
ومع عودة الروح لوطننا المجروح، واستكمال جلسات الحوار الوطني من اللازم أن نقوم بمراجعة أنفسنا، ونعمل فريضة النقد الذاتي والتي تدفعنا لأن نكمل الحوار، بدون تكتلات تستهدف تقسيم الحوار لتكتل يجمع الأغلبية وأخر يجمع المعارضة، بل نكمل الحوار بروح تعميق النقاش بين كل المشاركين بمنطق بحث مخرجات لمشكلاتنا نصنعها معا داخل الحوار، وليس بمنطق فرض برنامج، أو رأى مسبق، علي طاولة الحوار، قبل بدأ جلساته، والدفاع عن هذا البرنامج بلافتة المظلومية والأقلية أو بلافتة قوة الأغلبية.
كما علينا أن نبحث عن المخرجات الواقعية والعملية والقابلة للتنفيذ، وأن نضع نصب اعيننا أولوية كل قضية، دون التحيز لمحور علي أخر، فالثلاث محاور تبحث قضايا محل اهتمام المجتمع كله، بداية من قضايا التعليم والصحة وحقوق المرأة والطفل المهدورة، مرورا بالحريات بكل أشكالها، وصولا لأزمة ارتفاع الأسعار وحل أزمة الدولار ومواجهة الفساد والاحتكارات، والعمل علي تنمية الصناعة والتحول لمجتمع إنتاجي.
كما أرجو أن نظل متمسكين بعدالة التمثيل، وبذل كل الجهد لاحترام ما اتفقنا والتزمنا بعدم مخالفة نصوصه وهو الدستور الحالي.
وفي الختام لن يكون الحوار عصا سحرية لحل كل المشكلات بالضربة القاضية، بل هو عمل شاق وطويل ينقل نظام الحكم في مصر للتشاركية وحكم الإرادة، ويدفعنا لأن نناضل جميعا للحفاظ علي مصر من أخر حبة رمل في سيناء، لآخر حبة رمل في حلايب ومطروح والإسكندرية، وكل حدود مصر، ونظل نناضل لبناء جمهوريتنا الجديدة المنتجة والصناعية والأمنة والمتقدمة والحداثية بدون كلل أو ملل أو استسلام أو تباطؤ.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً