الإثنين، 09 سبتمبر 2024

12:57 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

د. خالد قنديل يكتب: الذكاء الاصطناعي.. عملة واحدة ووجهان

د. خالد قنديل

د. خالد قنديل

A A

لا شك في أن التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين قد أتاحت للفرد الكثير مما لم يكن يتوقع في أزمانٍ وعقود وحقب سابقة، وقد تطورت التكنولوجيا الرقمية بتواتر سريع خلال الفترة الماضية ويومًا بعد يوم يزداد التطور التكنولوجي تقدمًا، وتطلعا من المهتمين به إلى أن صار هذا التطور المقرون بالاستخدام والفضول الدائم سمة رئيسية، حيث هذا الاتصال التكنولوجي بجميع جوانب الحياة تقريبا، ما يعني بالضرورة وجود جانبي التأثير لها بوجهيها الإيجابي والسلبي كذلك، وهو الأمر الذي تلازم مع كل تقدم في المجال التكنولوجي وكل اكتشافٍ جديد، وصولا إلى ما يسمى بـ"الذكاء الاصطناعي".

ورغم أن المفهوم البسيط للذكاء الاصنطاعي أنه مصطلح شامل للتطبيقات التي تؤدي مهامَّ معقدةً كانت تتطلب تدخلات بشرية في وقت سابق، لكن لابد هنا من تأمل التعبير في شقيه "الذكاء" الذي يعني درجة عالية من التفكير وتوقع أو الوصول لنتائج قريبة، و"الاصطناعي" أي محدودية هذا الذكاء مهما بلغ وفق التدخلات البشرية بـ"الصنعة"، ويستخدم المطورون الذكاء الاصطناعي لأداء المهام التي يتم تنفيذها يدويًا بكفاءة أكبر، والتواصل مع العملاء بما يتطلب أن تكون هناك خلفية في الرياضيات وتفاعل مع الخوارزميات، واستخدام الذكاء الاصطناعي لا يختلف عن طريقة البدايات مع التطبيقات المختلفة التي تبدأ بمراحل التعلم والممارسة ثم الاعتياد فالابتكار في الاستخدام وفق المعطيات المتاحة، وصولا إلى اللاحدود الذي يمكن أن يأخذك فيه الذكاء الاصطناعي، الذي تقدم بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، وصار مثيرًا للاهتمام، حيث زيادة الابتكار في المجالات المتنامية بسرعة كبيرة حفزت إمكانات مستخدمي تطبيقاته للكثير من الاستخدامات بشقيها الإيجابي والسلبي كذلك، إذ تسهم برمجيات الذكاء الاصطناعي في خدمة البيئات الصناعية، وتنفيذ بعض المهام داخل المصانع وخارجها دون حاجة إلى التدخل البشري الدائم، إذ تستخدم تقنيات تعلم الآلة لتقليل عبء العمل البشري في التصنيع والتعليب وغيرها من الخدمات التي يؤديها البشر حتى في التعامل مع الزبائن، كما التحق بعملية إدخال البيانات التي قد يفقد فيه الجانب البشري التركيز، وقد طبقت قطاعات مصرفية عالمية برامج الذكاء الاصطناعي ببعض البنوك لتحرير المحاسبين من الأعمال المكررة، وكذلك وصلت هذه البرامج إلى عمليات التنبؤ بالطقس عبر معالجة كميات ضخمة من البيانات يصعب على البشر إنجازها، فالذكاء الاصطناعي بمثابة قاطرة التطور البشري نظرا لما قدمه من خدمات كبيرة على جميع المستويات سواء على المستوى الشخصي أو التجاري والصناعي والطبي والعسكري، ومن ذلك استخدام الإنسان الآلي في الأعمال الصناعية الشاقة والعمليات الخطرة في ميادين المعارك الحربية وفحص الأجسام، والمساعدة لذوي الإعاقة ومتابعة الحالة الصحية للمرضى وتوفير وتأمين المنازل والمؤسسات من عمليات السرقة والاعتداء، وبالتالي يمكن رصد عدد من الإيجابيات في القدرة على التفكير والإدراك، واكتشاف المعرفة وتطبيقها، والقدرة على الاستجابة السريعة للمواقف والظروف الجديدة، والقدرة على اتخاذ قرارات بناء على عملية تحليل المعلومات.

لكن في الوقت الذي تم فيه تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي لمساعدة وتعزيز القدرات البشرية، ومع كل هذه الفوائد الفعلية والمتوقعة لهذه البرامج، تبقى على الجانب الآخر مخاوف كبيرة من هذه البرامج سريعة التطور وعديدة الاستخدامات، من تداعيات أخلاقية سلبية مترتبة على تصاعد الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، شاملة التداعيات الاجتماعية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، والقانونية منها ما هو متعلق بإمكانية ممارسة السيطرة على البشر من قبل هذه الأنظمة، وهنا يتطلب الأمر جهودا حتمية للنظر في الآثار الأخلاقية والمجتمعية للسيطرة التي يقودها الذكاء الاصطناعي على الأفراد، حيث القدرة على التلاعب والتأثير على السلوك البشري والقرارات، فمن خلال تجميع كميات هائلة من البيانات الشخصية تبرز إمكانية التحكم بعد معالجتها باستخدام خوارزميات معقدة، ومن ثم استغلال هذه البيانات في اتخاذ القرارات، وأصبح هناك قدرة على توليد الكلمة والصورة والصوت مما سهل القدرة على تزييف البصمة الصوتية لأي شخص كما تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي تحديد التفضيلات ونقاط الضعف في السلوك البشري الأمر الذي يؤدي إلى التلاعب في خيارات الأفراد، ومن ثم التأثير على المعتقدات والآراء السياسية ، مما يؤدي إلى تهديد الاستقلالية، فضلا عن مخاوف المراقبة والانتهاك للخصوصية، عبر جمع البيانات، وتقنيات المراقبة المتقدمة المتضمنة لوسائل التواصل الاجتماعي، والأنشطة والممارسات المختلفة عبر الإنترنت ويمتد الأمر إلى مراقبة الحركات الجسدية، وتتبع الموقع الجغرافي الأمر الذي يحد كثيرا من حرية الأفراد واستقلاليتهم.

ومن ذلك كله فإن تعظيم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي مع السعي لتجنب مخاطره يتطلب أولا ضرورة وضع إطار أخلاقي يحدد التعامل مع هذه التكنولوجيا في مجتمع المعلوماتية الذي أُلغيت فيه الرقابة القانونية وتحولت إلى رقابة ذاتية، وضرورة البحث عن سبل تربوية وقانونية لوضع منظومة قيمية أخلاقية تحكم العلاقة بين الإنسان والآلة، مع وضع أطر تنظيمية للحماية من إساءة استخدام هذه التكنولوجيا وحماية الحقوق الفردية والخصوصية والاستقلالية، وكذلك النظر إلى المخاطر التي قد تؤثر على حقوق الملكية الفكرية، مع التحقق من مبدأ الشفافية والمساءلة في هذه الأنظمة وتأكد المطورين وواضعي السياسات الخاصة بالاستخدام من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قابلة للتفسير وخاضعة للتدقيق.

نقلًا عن صحيفة الأهرام