ما الذي يرضيك حتى أعطيك
إسماعيل رفعت صحفي - باحث دكتوراة في الدراسات الجيوسياسية والانتخابات
بقلم - إسماعيل رفعت
ساعات قليلة وتبدأ فعليا انتخابات رئاسة الجمهورية بتصويت المصريين بالخارج، الذين يختارون الاستقرار من زاوية أعود إلى الوطن فأجده لا يحارب فأنا من أعيش مغتربا، فى بلاد تعمل بعض وسائل وأنظمتها الحاكمة على إشعال الداخل، تمهيدا لتصفية مشاريع وطنية لصالح مخططات لكيانات إقليمية، وحينما أنفجر المشروع المرتقب تصفيته تلاشي كل ما افتعله الغرب من أزمات بالداخل وفي دول الجوار.
الناخب بالخارج يدرك استهداف الداخل
أمام صندوق الانتخابات يتكشف وجهين عملة الديموقراطية التي تستخدم كأداة للتعبير عن الرأي في الطبيعي، بينما يستخدمها البعض كورقة لتغيير مشهد لصالح مشروعه الذي يخدم أجندته وهدفه لا أهداف الدول التي من حقها أن تسمي من شاءت من مواطنيها المرشحين بإرادة وطنية لخدمة الجماهير، إلا أن المشهد الانتخابي كشف مساحة الوعي، وزوايا رصد المصلحة الوطنية.
المصري بالخارج يعرف القلاقل التي تستهدف الداخل بينما يرقب بعض من في الداخل ألسن اللهب التي تبث من الخارج، في تبادل للوعي البعضي -بعض الناس- ولا زال درس غزة يدق باب مصر الشرقي، ومعركة غزة تخفي أكثر مما تكشف من وعي الدولة وأجهزتها القادرة على الفعل، و المتسمة بالصلابة في القضايا الوطنية، ولازال لعاب العدو يسيل على سيناء، إلا أن الوعي لدى البعض وعي الحاجات الأولية، وهي ضرورية، مساحة القبول والرفض والسعي والنقاش قاصر على فئات بعينها: كبار السن، والسيدات وبعض الفتيات، والشباب تحركهم الحاجات والمطالب، وفي ظل تأخر مشاريع قومية للتدريب وتصدير القوة البشرية للعمل بالداخل والخارج، وتأخر صناعة الزخم السياسي عبر انتخابات المحليات والمشاريع السياسية المرتبطة بها وأخرى تعني بالمراقبة والمحاسبة وعلى الأقل المتابعة للجهاز الإداري والخدمي، واتساع الأفق قاعديا وسط الشعب ينسحب كثير من الشباب من المشهد السياسي زاهدا أو فاقدا للشغف.
الهرم المقلوب
إن انسحاب بعض الشباب من فئة الذكور من المشهد السياسي في كثير من الحالات سببه هو عدم مشاركتهم في الترشح، والتمثيل، وفوقية القرارات الحزبية، يضاف إليها أن التمثيل النيابي في مجلس النواب والشيوخ لا يكفي لاستيعاب الشباب بقدر استيعاب المحليات بعددها الضخم والمشاركة في العمل الشعبي والخدمي والرقابي والظهور في مجتمعه كعضو مؤثر أبعده عن المشهد بطريقة أو بأخرى، ما أفقد المشهد الشغف والاتصال بين القاعدة والرأس نسبيا، والأحزاب تواصل التحليق في العالي والشباب في غياب وتغيب.
إن أبسط قواعد الاتصال هي المشاركة، وأبسط قواعد التشغيل هي التدريب، وأبسط قواعد صناعة الكوادر هي المحاكاة والاندماج، وهو ما يحدث رمزيا في صيغة نخبة، وثقافة النخبة هي السبب في جزء من مشهد متوارث لم يجد له حلولا نهائية، وسياسية الطوارئ والمرحلة أسقطت منا شريحة شبابية تبحث عن تحقيق ذاتها ومشاريعها الشخصية، وبث الثقة والاندماج من خلال العمل المشترك البعيد عن الشكل النخبوي بل مشاركة قاعدية متسعة، ولاسيما أن مصر تنفذ مشروع حياة كريمة بتنمية الريف والصعيد ولابد أن يوازيها تنمية الكوادر المحلية، وحتى تاريخه ومع تمتع مصر بما تملكه من قوة بشرية هي قوة عمل حينما تزخر بها دول تقوم بتصديرها بعد تدريبها، ليأتي اليوم الذي تجتذب فيه مصر استثمارات وتصنيع من بوابة توافر العمالة والقوة البشرية بكافة تخصصاتها، خاصة أننا نقف على بوابة إفريقيا وفي مواجهة أوربا وفي نقطة اتصالية تصنيعية وتصديرية رئيسية تستوعب هذه الطاقات البشرية.
الكلام لا يصنع كوادر ولا يحرك إحساسا وأوربا لم تنجح بثورة كلامية
لماذا لا نفكر في ترغيب القطاعات التصنيعية والتجارية التي تساعد في تأهيل الخريجين، ولماذا لا نستقدم شركة كبرى مهمتها التأهيل والتدريب والتشغيل في الخارج والداخل، ولها الحق مع الدولة في أخذ جزء من عائد تطوير القوة البشرية، ولا سيما أن أغلى مقدرات الأوطان هي القوة البشرية، ففي جانب المشاركة السياسية القاعدية يتم دمج الشباب وبث الثقة وتوفير رقابة مجانية ورشيدة، وتدريب يضاف إلى تدريب آخر تشغيلي وتصديري متخصص، أوروبا برزت مع الثورة الصناعية، ومعها تطور سياسي والمحصلة اقتصادية وسياسية وخدمية وفكرية وثقافية.
ولا يتناقض هذا مع يشهده الوطن من تطور وبناء مستمر، ومرافق خدمية هائلة، ومحاور تنمية عظيمة، تلملم فيها ما تم إهماله في عقود سابقة، ندفع جميعا فاتورة التراخي السابق، ونسارع الزمن، والمتغيرات السياسية والاقتصادية، والحروب التي تتحول إلى فرق عملة، ومتغيرات أسعار، وجائحة حبست الاقتصاد العالمي بسبب العزل المنزلي والركود الكبير، ونفقات العلاج.
الترند أولى من الواقع والمستقبل
وتأتي انتخابات الرئاسة في حاجة إلى مزيد من المشاركة، وكثير من المفاضلة، وكلام متواصل يرجى أن يحدث عن برامج انتخابية ومشروعات مستقبلية كان ينتظر أن تطلبها فئة الشباب من الأربع مرشحين، ليهتم البعض بالتريند اللحظي للهو أكثر من التريند المستمر لحياته ومستقبله، بل وواقعه، وسط عادات غريبة، فحينما تذاع المعلومة تمر دون لفت انتباه بينما تقابلها شائعة مضادة لا تمحى ولو تم نفيها ألف مرة، وأثبت الواقع كذبها، وكأن الحواس تجمدت عن رصد الواقع، ورصد المتطلبات حتى داخل الشخص نفسه، يتوحد فيها مع تفكيره الانعزالي، والآن لابد أن تنقل هذه الفئة إلى العالم التجريبي بالمشاركة الفعلية سياسيا وتدريبيا.
لم يكن النبي إبراهيم يرفض قدرة الله ولكنه طلب أن يرى الصنعة والخلق الإلهي كي يطمئن قلبه، فطلب من الله أن يحي طائر مات وقطع إربا كي ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين، وهو نبي يعظ ويهدي، فمابالك بشاب ظلت المعلومات تحشر في رأسه 20 عاما تعليميا، ولم يمارس أي عمل بيده أو يراه عيانا وهو جيل الواقعية، فلابد أن يطمئن قلبه على نفسه، يصنع واقعه بيده.. أشركوهم تكسبوهم.
حروب الأجيال
كان الحديث عن حروب الأجيال كلاما، الآن بات واقعا، والحديث عن استهداف الدول كان يقابل بالسخرية، واليوم النار مشتعلة من حولنا ليتحول الكلام إلى واقع حي، وفي الجانب الآخر يظل إحساس الشباب تحركه الحاجات الأولية التي تحتاج إلى إشعال الطاقات بالمنافسة في الدور المجتمعي والسياسي والمهني كمخرج طبيعي لتصنيع القوة البشرية.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً