دينا شرف الدين تكتب.. لمحات من مصر على مر العصور « مصر الفاطمية 2 »
دينا شرف الدين
كانت الدولة الفاطمية بمثابة العصر الذهبي لمصر التي تم فيها اكتمال الفن الإسلامي، حيث ترك الفنانون المصريون وراءهم العديد من الآثار والتحف التي تشهد على مهارتهم الفائقة ودقتها في مختلف الأشكال الفنية.
وخلال تلك السنوات الأربع اختار جوهر عاصمة جديدة لمصر هي القاهرة وبنى فيها قصراً للخليفة.
وأسست مدينة القاهرة لتكون حصنا ملكيا للخليفة وأتباعه، لذلك عمد جوهر الصقلي إلى تحصين المدينة بسور سميك، واعتبرها معقلا يتحصن به الخليفة وأتباعه، واحتفر الخندق من الجهة الشمالية ليمنع اقتحام المدينة من هذا الجانب، وبذلك استطاع جوهر أن يحصن المدينة وفى نفس الوقت يعوق عامة الشعب في الفسطاط والعسكر والقطائع (عواصم مصر الإسلامية الأولى) من الوصول للقصور الملكية، حيث كان لا يسمح لأى فرد باجتياز السور إلا إذا كان من جند الحامية الفاطمية أو من كبار الموظفين في الدولة، وكان الدخول إلى القاهرة يتم عن طريق تصريح خاص.
وفتح جوهر في أسوار القاهرة ثمانية أبواب بواقع بابين بكل سور، حيث يوجد بالضلع الجنوبي بابي زويلة، وبالضلع الشرقي باب البرقية وباب القراطين، وفى الضلع الشمالي باب الفتوح وباب النصر، وفى الضلع الغربى باب القنطرة وباب سعادة.
شكَّل العصر الفاطمي امتداداً للعصر الذهبي للإسلام، لكنَّ قُصور الخُلفاء لم تحفل بالعُلماء والكُتَّاب البارزين كما كانت قُصور بغداد من قبلها، وكان الجامع الأزهر ودار الحكمة مركزين كبيرين لنشر العلم وتعليم أُصول اللُغة والدين.
أبرز عُلماء هذا العصر كان الحسن بن الهيثم كبير عُلماء الطبيعيات والأخصَّائي بعلم البصريات، والذي قد تجاوزت مؤلَّفاته المائة في الرِّياضيَّات وعلم الفلك والطب.
أخذت الدولة الفاطميَّة تتراجع بسُرعةٍ كبيرة خلال القرنين الحادي والثاني عشر الميلادي، فاستبدَّ الوُزراء بالسُلطة وأصبح اختيار الخُلفاء بأيديهم، وكان هؤلاء الخُلفاء غالبًا من الأطفال أو المراهقين، واختلف عددٌ كبيرٌ من الوزراء مع قادة الجيش ورجال القصر، فعاشوا في جوٍ من الفتن والدسائس، تاركين الناس يموتون من المجاعة والأوبئة المُتفشية.
وخلال ذلك الوقت كانت الخِلافة العبَّاسيَّة قد أصبحت في حماية السلاجقة، الذين أخذوا على عاتقهم استرجاع الأراضي التي خسرها العبَّاسيّون لصالح الفاطميين، ففتحوا شمال الشَّام وسواحلها وسيطروا عليها لفترةٍ من الزمن قبل أن يستردَّها الفاطميّون، لكنَّها لم تلبث بأيديهم طويلًا، إذ كانت الحملة الصليبية الأولى قد وصلت المشرق، وفتح المُلوك والأُمراء الصليبيين المُدن والقلاع الشاميَّة الواحدة تلو الأُخرى، وبلغ أحدهم أبواب القاهرة وهددها بالسُقوط.
استمرَّت الدولة الفاطميَّة تُنازع حتّى سنة 1171م عندما استقلَّ صلاح الدين الأيوبي بمصر بعد وفاة آخر الخُلفاء الفاطميين، وهو العاضد لدين الله، وأزال سُلطتهم الإسميَّة بعد أن كانت سُلطتهم الفعليَّة قد زالت مُنذُ عهد الوزير بدر الدين الجمالي.
الشدة المستنصرية بعهد الخليفة الفاطمي (المستنصر بالله)
هي المجاعة التي حدثت بمصر نتيجة غياب مياه النيل لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف نهاية عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في بداية النصف الثاني من القرن الخامس الهجري من تاريخ الدولة الفاطمية في مصر .
روى المؤرخون حوادث قاسية عن تلك المجاعة، فقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع ما على مقابر أبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياع نحو بغداد.
وذكر ابن إياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب؛ لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها.
طقوس الفاطميين الخالدة بالتراث المصري
ورثت مصر تراثا هائلا من العادات والتقاليد على مر العصور، خاصة طقوس شهر رمضان ومن المعروف أن قدرًا كبيرًا من تلك العادات والتقاليد التي تمسك بها المصريون في إحياء المناسبات الدينية العديدة ترجع أصولها إلى أيام الفاطميين بالذات، فهم الذين أسرفوا في إقامة (الموائد) في الأعياد والمواسم، وابتكروا ألوانًا من الطعام والحلوى ربطوا بينها وبين كثير من الأعياد الدينية، وكان من الطبيعي أن يحظى شهر رمضان بالذات بكثير من عناية الخلفاء الفاطميين ورعايتهم، فأسرفوا في ألوان الطعام والشراب فيه، وأكثروا من الزينات والأضواء في لياليه، وابتدعوا فيه عددًا من التقاليد المستحدثة التي ما زال بعضها باقيًا حتى اليوم.
أخبار ذات صلة
كيف ترى مستقبل سوريا بعد رحيل الرئيس بشار الأسد ؟
-
تتجه نحو مزيد من الاستقرار
-
تتجه نحو مزيد من الفوضى
أكثر الكلمات انتشاراً