الديمقراطية والاستقرار السياسي في السودان.. هل يستويان؟
مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الإستراتيجية
حسن شايب دنقس
على الرغم من عراقة الأحزاب السياسية السودانية، إلا أنها لم تبارح التقليدية في ممارسة العملية السياسية ولم تتطور مع تطور الزمان ولم تستصحب معها المتغيرات الفكرية، أو تلبي تطلعات الأجيال المتعاقبة إذ ظلت تمكث في براثن الحزبية أكثر من الوطنية وتنادي بالديمقراطية في البلاد وهي تفتقد لقيم ومعايير الديمقراطية داخل أحزابه، فكل ما تعرفه عنها هو حكم الشعب بالشعب، فالديمقراطية والاستقرار السياسي سيان لا ينفصلان، متى ما وجدت الديمقراطية وجد الاستقرار السياسي إلا إذا كانت الديمقراطية مزيفة وعرجاء يبقى الاستقرار مفقود.
الديمقرطية في السودان
شهدت البلاد ثلاث ديمقراطيات لم تحقق آمال و تطلعات الشعب السوداني
الديمقراطية الأولى 1956 - 1958
هذه الفترة القصيرة من الحكم الديمقراطي مرت بها حكوماتان، وذلك مؤشر لعدم الاستقرار السياسي في السودان من لدن الاستقلال حكومة إسماعيل الأزهري تم سحب الثقة منها من البرلمان بواسطة حزبي الاتحادي والأمة، وتم تكوين حكومة ائتلافية بقيادة عبدالله خليل الذي لم يمكث كثيراً بسبب عدم وجود مناخ سياسي ملائم والمخاطر المحدقة بالبلاد آنذاك، وما زالت مستمرة إلى الآن
وفي 17-11-1958، سلم رئيس الوزراء عبدالله خليل للسلطة للجيش طوعاً و ختياراً الكثيرين أسموه انقلاباً، لكن من وجهة نظري المتواضعة لا أعتبره انقلاباً بسبب أن العسكر لم يخطط للاستيلاء على السلطة، ولم يكن هنالك عمل عسكري مع سبق الإصرار والترصد لعملية انقلابية إنما الخلافات الحادة التي ضربت حكومة خليل والأوضاع الاقتصادية المتردية وانشغال النخب السياسية بأحزابها جعلته يسلم السلطة.
الديمقراطية الثانية 1965 - 1969
أتت الديمقراطية الثانية بعد سقوط نظام عبود وهو ما عرف بثورة أكتوبر 1964، وعملت القوى السياسية على إعلان سياسي لإدارة الفترة الانتقالية بتاريخ 30-10-1964 إلى 5-3-1965 برئاسة سر الختم الخليفة التي قادت البلاد إلى صناديق الإقتراع في مايو 1965.
ترأس محمد أحمد المحجوب حكومة الديمقراطية الثانية، وكانت بالائتلاف بين حزبي الأمة و الوطني الاتحادي إلا أنها لم تستمر طويلاً بسبب الخلافات بينهما إضافة إلى انشقاق حزب الأمة إلى جناحين جناح الهادي المهدي و الصادق المهدي و بسببها عجزت الحكومة في أداء دورها المناط بها حيث تم سحب الثقة منها في 25 يوليو 1967، وبعد يومين من سحب ثقة حكومة محمد أحمد المحجوب تم تكوين حكومة برئاسة
الصادق المهدي يوليو 1966-مايو 1967
لم تستمر حكومته سوى أشهر معدودة، كذلك كانت الخلافات السياسية قاصمة ظهر الحكومة الوليدة تم سحب الثقة منها و كان هذا متوقعاً لأن الخلافات بين الأحزاب كانت مستعرة.
بعد سحب ثقة حكومة الصادق المهدي من البرلمان، تم تكوين حكومة مرة أخرى برئاسة محمد أحمد المحجوب استمرت ثماني أشهر فقط وجدت معارضة حادة من التيارات السياسية مما أدى إلى حلها و الدعوة لإجراء انتخابات.
تم إجراء الانتخابات حيث فاز حزب الأمة فيها وكان ذلك في أبريل 1968، وبسبب النطق بالحكم النهائي في حادثة طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان بعودتهم، وما حدث من تداعياتها في العملية السياسية آنذاك كان حجر عثرة أمام حكومة المحجوب حيث تدخل مجلس السيادة ووصف قرار المحكمة العليا بالمعيب قانونياُ وأدى تدخله إلى إحداث صراع سياسي عميق وفي خضم هذه الأحداث جاء انقلاب المشير جعفر نميري في 25 مايو 1969.
الديمقراطية الثالثة 1986-1989
جاءت بعد ثورة شعبية عارمة نتيجة لأسباب سياسية و اقتصادية أطاحت بحكومة نميري انحاز فيها الجيش لإرادة الشعب، وكان ذلك في 6 أبريل 1985
وجرى تكوين مجلس عسكري انتقالي بقيادة المشير عبدالرحمن سوار الذهب، وتعيين الجزولي دفع الله رئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية، واستمرت لمدة عام كانت مهامها الحفاظ على الوحدة الوطنية والتمهيد لقيام حكومة منتخبة لديها الشرعية الدستورية الكاملة للنظر في قضايا الدولة السودانية الشائكة.
انعقدت الانتخابات في ميقاتها في أبريل 1986، وفاز حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي على إثرها أصبح رئيساً للوزراء و حل الحزب الاتحادي الديمقراطي في المرتبة الثانية الذي كان يترأسه أحمد الميرغني الذي تولى رئاسة مجلس رأس الدولة.
وواجهت حكومة الصادق المهدي نفس خلافات الماضي، مما حدى به لتكوين خمس حكومات في ظرف ثلاث سنوات واجهته مشاكل اقتصادية جمة بالاضافة لمشكلة جنوب السودان المتفاقمة، حيث واجه الجيش السوداني نقص حاد في العدة والعتاد، ما جعله ينسحب من معظم التي يرتكز فيها في الجنوب على إثر ذلك عقدت قيادة الجيش اجتماعاً نتاجه مذكرة قُدمت للصادق المهدي حوت أمرين: إما تسليح الجيش و توفير احتياجاته، أو البحث عن حل سياسي لمشكلة جنوب السودان.
هذه المذكرة جعلت الصادق المهدي يقدُم على إعادة تشكيل حكومته للمرة الخامسة، والتي سميت بحكومة الوحدة الوطنية، وبها توترت علاقته مع قادة الجيش أعقبها مباشرةً انقلاب الانقاذ 30 يونيو 1989.
أسباب انهيار النظم الديمقراطية في السودان
تعددت أسباب انهيار النظم الديمقراطية في السودان، ومنها: عدم التوافق على القيم و الثوابت الوطنية التي هي اللبنة الأساسية لبناء الدولة، وعدم وجود دستور دائم للبلاد، مع تقديم المصالح الحزبية على المصالح الوطنية.
كما تسببت الممارسة السياسية للأحزاب السودانية غير الراشدة وتفتقد لقيم ومعايير الديمقراطية داخلها، والصراعات بين الأحزاب والانشقاقات، في التأثير على العملية السياسية في البلاد، إلى جانب كثرة عملية سحب الثقة من حكومتا فترتا الديمقراطية الأولى و الثانية بسبب الخلافات.
الأحزاب السياسية السودانية كانت وراء جل العمليات العسكرية الانقلابية التي نجحت أو فشلت، ما نجح منها كان خصماً للممارسة الديمقراطية في البلاد و ما فشل كان تعقيداً للمشهد السياسي المأزوم.
للوصول لاستقرار سياسي لا بد من إرساء قواعد الديمقراطية و تدعيم عملية المشاركة السياسية من أجل إحداث العدالة الاجتماعية من خلال المشاركة في حكم البلاد، عبر نظم مستويات الحكم المختلفة، والعمل على إحلال السلام الشامل، وذلك بالاتفاق على حكم السودان فيدرالي لأنه يتناسب مع الحالة السودانية.
ولا بد من عمل ميثاق شرف وطني يضم كل المكونات السياسية في الدولة والحركات المسلحة عن النأي بالشروع أو القيام بالانقلابات العسكرية، وذلك بغية الوصول لاستقرار سياسي شامل وخضوع كل القوات النظامية في الدولة تحت إمرة وزارة الدفاع ممثلة في القوات المسلحة من أجل السيطرة وبسط هيبة الدولة.
ختاما يبقى مستقبل الديمقراطية والاستقرار السياسي في السودان يكمن في الاتفاق على قيم وثوابت وطنية لا يمكن تجاوزها بأي شكل كان، تعمل على تقوية الجبهة الداخلية للدولة ومن ثم الانطلاق لآفاق أرحب.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً