أسباب الحروب في السودان من منظور جيبولوتيكي
حسن شايب دنقس مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية والاستراتيجية
حسن شايب دنقس
السودان مهد الحضارات وأرض الهجرات، تعتبر حضارة كوش من أقدم الحضارات في العالم يرجع تاريخها إلى أكثر من 5 آلاف عام وأرض هجرات، إذ تكونت الدولة السودانية بشكلها الحديث من هجرات أفريقية وعربية شكلت الهُوية السودانية التي لا ينبغي الاختلاف عليها إلا وأن إدمان النخب السياسية السودانية للفشل، كما أسماها دكتور منصور خالد في كتابه، يرجع إلى عدم تناولها لقضايا الدولة بأبعاد ورؤى استراتيجية.
الحروب في السودان ما بعد الاستقلال
شهدت البلاد ثلاث حروب رئيسية :
●حرب جنوب السودان 1972- 1955 ومن 2005 - 1983 انتهت بانفصال جنوب السودان في العام 2011.
● حرب دارفور منذ العام 2003 وما زالت تداعياتها مستمرة إلى الآن.
● الحرب الدائرة الآن تمردت فيها قوات الدعم السريع على الجيش.
دائماً ما يتم تناول أسباب الحروب في السودان من زوايا سياسية، إلا أن هنالك سببا آخر هو المنظور الجيوبولتكي.
أسباب الحرب في السودان من المنظور الجيوبولتيكي
يقع السودان في الجزء الشمالي الشرقي من القارة الأفريقية بمساحة 700000 ما يعادل 1882000 كم٢ بالتأكيد هذه مساحة كبيرة ومميزة لها تأثير في القيمة السياسية، فكلما كبرت مساحة الدولة يعني تنوع في الإنتاج وزيادة في الموارد الاقتصادية، يعني نقطة قوة استراتيجية للدولة تجلب به المصالح وتدرأ به المفاسد عن أرضها.
الآثار السلبية للمساحة في قوة الدولة
كلما كبرت مساحة الدولة صعبت السيطرة العسكرية علي أجزائها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، خاصةً إذا كانت تضم الدولة عرقيات وإثنيات متعددة، والشاهد أن السودان تأثر سلباً بحجم مساحته ولم يستطع السيطرة عليها فحرب الجنوب نشأة في أقصى جنوب السودان آنذاك وحرب دارفور قامت في أقصى غرب البلاد، كما أن نمط الحكم المركزي لم يكن مساعداً في الحفاظ على كلية الأرض، فنظام الحكم الفيدرالي هو الأنسب للدولة السودانية بما تتميز به البلاد من خصائص اجتماعية واقتصادية.
مساحة السودان لم يتم استغلالها الاستغلال الأمثل، فشكلت عبئاً ثقيلاً وقللت من أهميته السياسية والاقتصادية والعسكرية لعاملين رئيسيين:
أراضٍ وسهول زراعية غير مستغلة
خلو الأراضي الحدودية مع دول الجوار من الكثافة السكانية وعدم الاستثمار فيها.
التنوع العرقي و الإثني
تضم الدولة السودانية 570 تنوعاً عريقياً لم تحسن إدارته الحكومات المتعاقبة وبسبب ذلك نمت الحركات الانفصالية وهذا ما حدث بالفعل لجنوب السودان، إضافة لبعض الحركات التي تنادي بانفصال دارفور وشرقي السودان، كما أن هنالك أصوات في شمال السودان تقول إن الحروب في السودان الموحد قد أصابتهم سهامها وهم في معزل منها وينبغي تبني قرار الانفصال لإقامة دولتهم هذه شواهد ماثلة، بأن التنوع العرقي لم يكن في يوم من الأيام عنصر قوة للدولة السودانية بل كان خصماً عليها.
دول الجوار
موقع الدولة الجغرافي يعتبر من أهم العناصر لوجودها فهو يحدد مجال إقليمها واختصاصها القانوني والسياسي ويحدد دول الجوار التي تقع على الحدود.
السودان تحيط به سبع دول تربطه بها حدود طويلة، إذ يبلغ طول حدود السودان مع مصر 1275 كم٢، ليبيا 383 كم٢، إثيوبيا 769 كم٢، إريتريا 605 كم٢، جنوب السودان 20184 كم٢، أفريقيا الوسطى 175 كم٢، تشاد 1360 كم٢.
كل هذه الحدود أُتيَ السودان من قِبلها كثيراً بسبب عدم وجود استراتيجيات لإدارتها، في الفترة الأخيرة لعبت المفوضية القومية للحدود في السودان، بقيادة دكتور معاذ تنقو أدوار كبيرة في كيفية وضع العلامات الحدودية مع دول الجوار، خاصة مع إثيوبيا وليست ترسيمها لأنها رُسمت مسبقاً كذلك الموارد الاقتصادية، التي تقع في الحدود الإقليمية لساحل البحر الأحمر السوداني وإدارة المعابر مع دول الجوار.
تأثر موقع السودان الجغرافي كثيراً بعلاقته بدول الجوار بسبب التباينات السياسية والاجتماعية والأيديولوجية أدت الى نزاعات حدودية لغياب الرؤية الاستراتيجية لإدارة ملف الحدود منذ الاستقلال.
يقول فريدريك راتزل في كتابه الجغرافيا السياسية :
في مناطق الحدود يقع جزء كبير من ثقل التوازن السياسي وأن نطاق الحدود هو المكان الذي يشير إلى نمو أو تقلص الدولة وفي الدولة القوية يظهر إرتباط وثيق بين نطاق الحدود وقلب الدولة فإن أي ميل إلى ضعف هذا الارتباط يؤدي إلى ضعف الدولة وإلى خسارة جزء من أراضيها.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً