الإثنين، 25 نوفمبر 2024

07:58 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

العقل الاستراتيجي

مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الإستراتيجية

مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الإستراتيجية

حسن شايب دنقس

A A

منذ بزوغ فجر استقلال الدولة السودانية في العام 1956، لم تشهد البلاد استقراراً سياسياً يضع لبِنْات لبناء دولة القانون المؤسسات لعدة أسباب، منها أن الأحزاب السياسية لم تتفق حول الرؤية الوطنية التي من خلالها يتم تثبيت أركان الدولة وهي أولى خُطوات الاستقرار السياسي.

على الرغم من عراقة نشأة الأحزاب السياسية السودانية، إلا أنها لم تستطع التعبير عن الشارع بالشكل المطلوب، نسبة لغياب المشروع الوطني للدولة السودانية الذي طال أمده وانتظاره؛ والسبب في ذلك يعود إلى لأحزاب نفسها فهي أكثر حرصا على الحفاظ على مبادئها وقيمها من الاتفاق على القيم والثوابت الوطنية.

هذا وإن دل إنما يدل على تقديم الأحزاب لمصالحها الحزبية على المصالح الوطنية، ويشاركها في ذلك الحكومات التي مرت على تاريخ السودان منذ الاستقلال وإلى زوال الإنقاذ، ولعل من أكبر مشكلات السودان أن الحكومات لا تفرّق بين الدولة والحكومة، فالدولة ثابتة والحكومة متغيرة، وبين هذا وذاك ضعفت الدولة وانتهك عرضها.

صراع الأيديولوجيا

هزم صراع الأيديولوجيا أو الأفكار الدولة السودانية، وهدم أركانها من بناء الحلم الوطني الذي في غايته تحقيق آمال وتطلعات الشعب السوداني الذي صنع ثلاث ثورات لم تؤتي أكلها تخطّفتها الأحزاب وهوت بها في وادٍ سحيق.

فترات حكم السودان من لدن الاستقلال وإلى الآن، كانت إما أنظمة شمولية تريد فرض هيمنتها على شتى مناحي الحياة فتصطدم بالتعددية الإثنية والثقافية، وإما تعددية حزبية عجزت عن الارتقاء بالعمل السياسي في البلاد، وهي تعزي ذلك إلى الانقلابات العسكرية التي دائما ما تئد التجارب الديمقراطية.

الأحزاب حينما تتسلم زمام السلطة تبدأ في بث أفكارها الأيديولوجية، في محاولة منها لبسط نفوذها وسيطرتها للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا يعود لعدم حسم جدلية الهوية السودانية، فكل تيار حزبي يريد فرض رؤيته التي يعتقد أنها الأصلح لبناء السودان بتعدديته الثقافية والإثنية، وإن كانت قلة إلا أن التعددية في السودان لم تشكل يوما عنصر قوة للدولة؛ بسبب سوء إدارة هذا التنوع، فكما هو معلوم في علم الجيوبولتيك أنه كل ما اتسعت الرقعة الجغرافية للبلاد وتعددت الإثنيات صعبت إدارتها.

الانقلابات العسكرية في السودان

الأحزاب هي من أطّرت للعسكريين الحكم في السودان انقلاب المشير جعفر نميري في العام 1969، جاء بإيعاز من الحزب الشيوعي السوداني وتبناه كما حاول لفظه في العام 1971، والذي سُمي بانقلاب «هاشم العطا»؛ بسبب انفراده بالحكم بمعزل عن الحزب الشيوعي.

وفي حقبة نميري التي استمرت 16 عاماً، تعرض لعدة محاولات انقلابية عسكرية بانتماءات حزبية، لكنها باءت بالفشل كذلك حينما تسلمت الإنقاذ السلطة في 1989 بانقلاب المشير عمر البشير تبنته الجبهة الإسلامية، وفي عام 1991 نفّذ البعثيون انقلاب عسكري لكنه فشل، وتم إعدام قادته فالأحزاب السودانية التي تتباكى على وجود العسكريين في السلطة الآن هي من شرعن لهم هذا الوجود.

الممارسة الديمقراطية للأحزاب السودانية

تنادي كل الأحزاب بالديمقراطية في الدولة، وهي في ذات نفسها تفتقد لقيم الديمقراطية في إدارة شأنها، فكثير من الأحزاب لم تعقد مؤتمراتها العامة منذ سنوات عدة وتريد بسط الديمقراطية في الدولة.

كثرة الأحزاب في الساحة الآن ليس دليل عافية على المناخ السياسي، إنما يدل على مدى حالة التشرذم والانقسام الداخلي، وهذا له تأثير مباشر على شكل الدولة الراهن، فنشأة وتكوين الأحزاب في السودان يحتاج لإعادة صياغة، فنجد كثير من الأحزاب رؤاها وبرامجها تتطابق مع بعضها البعض ومن منطلقات فكرية واحدة هذه ليست محمدة و لا تمثل قيم الديمقراطية الحقيقية؛ لأنها بهذا الشكل تكون خصما على الممارسة السياسية في البلاد من خلال كثرة الرؤى، وهذا يؤدي إلى التباين والاختلاف في شكل الدولة، ويضعف الأحزاب نفسها من تقديم تجربة ناضجة.

المشاركة السياسية للأحزاب

تعتبر المشاركة السياسية للأحزاب في الحكومات دلالة على التوافق وتطابق وجهات النظر الكلية بشأن إدارة البلاد، فكلما قلّت دلت على تمدد أنظمة الحكم الشمولي، إلا أن مشاركة الأحزاب السودانية في أنظمة الحكم المختلفة في الأغلب الأعم تتم عبر اتفاقيات سلام بنسب مختلفة، وتكون المشاركة في كل المستويات، إلا أنها لا تدوم طويلاً بسبب تباين المواقف السياسية أو تنصل ونكوص طرف من أطراف الاتفاق من الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاقية.

العقل الاستراتيجي

كان لغياب العقل الاستراتيجي في الدولة الأثر البالغ في عدم تطورها و نهوضها بسبب عدم وجود مركز صنع القرار و مستوياته المختلفة الذي من شأنه أن يعمل على صنع سياسات البلاد الداخلية و الخارجية بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة و يحد من من سياسة حكم الفرد.

المعارضة في الأحزاب

معارضة الأحزاب لأنظمة الحكم المختلفة في البلاد بمختلف حقبها، شابها الكثير من الجدل من تقديم معارضة بناءة في المشهد السياسي السوداني؛ نظراً لاختلال هيكل السياسة في السودان من عدم وجود رؤية وطنية جامعة وبالتالي عدم الاتفاق على دستور دائم بالبلاد، كل هذه الأشياء وغيرها أثرت على شكل المعارضة التي من مهامها النقد البناء والتقويم والتطوير وتقديم برامج انتخابية قادرة على إقناع المواطن بما تقدمه من برامج وأطروحات، إلا أنها عجزت عن ذلك نتيجة لعدم التوافق الوطني الذي قاد البلاد لانشقاقات وانقسامات داخلية منذ 1955 الذي شهد صرخة ميلاد النزاعات الداخلية وإلى يومنا هذا.

الأحزاب والحكومات يكاد شعارها يكون «أنت لست معي فأنت ضدي»، لا توجد نقاط التقاء البتة، فحينما تضيق الحكومات ذرعاً بالمعارضة تلجأ بالتضييق عليها في ممارسة العمل السياسي والاعتقالات التعسفية، وكذلك تلجأ المعارضة لعقد التحالفات فتُدِخل البلاد في حالة من النزاعات والاحتراب الداخلي وتستقوى المعارضة بالقوى والمنظمات الدولية للضغط على الحكومات، إما لتنفيذ مطالبها أو السعي لتغيير النظام.

وما أن يأتي النظام الجديد إلا واحتدم الصراع بين الأحزاب فيما بينها؛ بسبب محاصصات الأحزاب والجماعات في اقتسام السلطة والمواطن السوداني بين سندان الأحزاب ومطرقة الأنظمة الشمولية، لسان حاله يقول حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب.

search