الحركة المدنية.. تساؤلات ديمقراطية
د. وليد عتلم
د. وليد عتلم
الكاتبُ والفيلسوفُ الفَرنسي فولتير له قول مأثور مفاده "قد أختلف معك في الرأي، ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك"، وهو ما يعني ضرورة احترام الرأي والرأي الآخر، والذي قد يراه البعض أساس وجوهر الديمقراطية.
في مصر تشكلت الحركة المدنية الديمقراطية؛ حركة تضم ١٢ حزب سياسي وعدد كبير من الشخصيات العامة والمستقلة، ورغم أنها نعتت نفسها بالـ "الديمقراطية" لكن هل هي ديمقراطية فعلا؟؟؟
تراجع الديمقراطية الداخلية داخل أحزاب الحركة المدنية هو نتاج مباشر لهذا النمط من أنماط المركزية وحكم النخالحركة تبة، فهي أحزاب نخبة تدار عبر سياسة الكادر، وحيث العضوية داخل هذا الكادر تتطلب خلفيات سياسية وأيديولوجية خاصة. بالتالي فالنجاح والصعود والترقي داخل تلك الأحزاب ليس قائما على المهارة السياسية فحسب، بل قائماً على ولاء الأعضاء لنخبتهم وقادتهم، وهو ما يؤدي إلى تراجع الديمقراطية على المستوى الداخلي لتلك الأحزاب والحركات.
من الظواهر غير الديمقراطية أيضًا داخل الحركة المدنية؛ الخلافات المتعددة والانشقاقات المستمرة؛ سواء على مستوى الداخلي لتلك الأحزاب، التي فشلت مرارًا وتكرارًا في اجراء انتخابات داخلية تتسم بالديمقراطية لاختيار قادتها كما حدث في أحزاب الدستور والمحافظين وغيرها. وحتى فيما بعضها البعض على مستوى القضايا العامة؛ هاجموا الحوار الوطني، واتهموا بعضهم البعض بالتخوين لكل من شارك، وحتى من شارك كان مسلك العديد منهم داخل قاعات الحوار وفاعلياته غير ديمقراطية على الإطلاق، حاولوا فرض رؤى وأطروحات بعينها، وتوجيه الجلسات في اتجاه معين بغض النظر عن مدى توافق تلك التوجهات مع قضايا الجلسات التي تم التوافق عليها. وأخيرا الانتخابات الرئاسية القادمة والخلاف الجوهري في موقف مفصلي مرتبط باستحقاق دستوري مهم ومشاركة أطراف من الحركة في هذه الانتخابات، رغم توفير الدولة الضمانة الأبرز لنزاهة تلك الانتخابات ممثلة في الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات.
وحتى لجنة العفو الرئاسي التي قام السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعادة تفعيلها، والتي تم تشكيلها كأحد توصيات المؤتمر الوطني للشباب. وما تمخض عنها من حراك حقوقي كبير هاجموها، بل وقاموا بابتزاز الدولة المصرية بالآلية التي قامت بها الدولة طواعية من تلقاء نفسها، مهددين دائما بالانسحاب من الحوار الوطني.
ثم المظهر والمسلك غير الديمقراطي ممثل في خلافات ما يطلق عليهم رموز التيار المدني التي تتجاوز قواعد العمل السياسي والحدود الأخلاقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ كما في حالة كمال أبو عيطة وهشام قاسم، ثم وصلات "الردح المتبادل" بين أسماء محفوظ وأحد مناضلات هذا التيار من الخارج تدعى أمل فتحي!!
هذه التوترات والانشقاقات داخل أحزاب الحركة المدنية من شأنها التأثير على تماسك قواعد الحزب، وهو ما قد يؤثر على مدى قدرة ونجاح أحزاب تلك الحركات في المنافسات الانتخابية، حيث النجاح الانتخابي مقترن بقدرة تلك الأحزاب السياسية الجديدة في الحفاظ على تماسك قواعدها، وتجاوز ذلك إلى توسيع نطاق قواعد الدعم والتأييد، بالإضافة إلى نجاحها في تجنيد كوادر سياسية جديدة. وبدلاً من الإقرار بذلك الواقع، تهرب تلك الأحزاب والقيادات من المنطق، ترى أن ارتفاع وتيرة الخلافات سواء على المستوى الداخلي لها، أو فيما بينها هو دليل على الديمقراطية!!!.
ومن جانب آخر تلجأ إلى الحل المعلب الجاهز، بتحميل الدولة وأجهزتها دائما وأبدا نتيجة هذا الفشل، وهذا المسلك غير الديمقراطي.
تحتفظ بتلك النزعات المركزية النخبوية القائمة على قمع النقد والافتقار للشفافية، لذلك فهي أحزاب وحركات تتسم بالتناقض والازدواجية كونها ذات مظهر ديمقراطي وواقع أوليجاركي غير ديمقراطي.
غير أن الخطيئة الكبرى لهذا التيار تتمثل في طريقة إدارة اللعبة السياسية واحترامها، هذا التيار دائما وابدا يرى السياسة من جانب واحد فقط، ومن منطق واحد فقط؛ المنطق الصفري، مكاسب كاملة لطرف مقابل خسائر كاملة للأطراف الأخرى في تجاهل واضح لواقع سياسي يضم أغلبية ومعارضة.
ليبقى السؤال؛ كيف لتيار وأحزاب وكيانات هي نفسها غير ديمقراطية في هياكلها الداخلية وفي ممارستها ومسلكها، أن تنادي بالديمقراطية على المستوى العام؟؟؟.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً