الخميس، 19 سبتمبر 2024

04:07 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

محمد فؤاد يكتب.. «فقاعة الفقاعة العقارية»

الدكتور محمد فؤاد

الدكتور محمد فؤاد

A A

أتابع الجدل الدائر بين أوساط عدة حول احتمالية انفجار "الفقاعة العقارية" في مصر، وهو الطرح الذي أصاب فئات كثيرة، إما بالقلق على مدخراتها وإما بالأمل في انخفاض أسعار وشيك يسهل عملية الاقتناء، وبما أن أغلب الأطروحات حول ذلك لم تسوق الشرح اللازم للتوجه وكذا حجته، وجدت أن هناك حاجة ماسة للحديث بشكل مستفيض حول الأمر، متجردا من أي مصلحة على عكس وزير الإسكان الذي بدا -وهو ينفي احتمالية انفجارها- وكأنه "قصابا" يشرح فوائد أكل اللحم، وذلك باعتبار هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة للوزارة، تمتلك أكبر محفظة أراض صالحة للتطوير العقاري.

وبداية فمفهوم الفقاعة يتمحور حول ظرف اقتصادي يحدث عندما ترتفع أسعار العقارات بشكل كبير وبمعدلات تفوق قيمة السوق الحقيقية، نتيجة عدة أمور بينها زيادة الطلب أو التكهنات أو تسهيلات السداد، بما يفوق قيمته الحقيقية، وعند نقطة معينة، يحدث انخفاض حاد في الأسعار، وهذا ما يُعرف بـ"انفجار الفقاعة".

ولقد كانت الفقاعة العقارية في الولايات المتحدة 2008، أحد العوامل الرئيسية التي تسببت في الأزمة المالية العالمية، عندما ارتفعت أسعار العقارات بشكل مفرط خلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مدفوعة بقروض عالية المخاطر، قبل أن تنفجر الفقاعة في 2007-2008، ما أدى إلى انهيار سوق الإسكان وخسائر فادحة للمستثمرين والبنوك، وسبقتها اليابان في ثمانينيات القرن الماضي وتعانيها الصين الآن، على الرغم من الإجراءات الحكومية لتبريد السوق.

وقبل الإجابة عن احتمالية حدوث الفقاعة وانفجارها في مصر، فهناك حاجة للاعتبار إلى طبيعة العقار في مصر والظروف التي تحيط بشرائه، ومنها ثقافة المواطنين التي تستريح إلى تملك العقار والاستثمار فيه باعتباره "الابن البار"، وزيادة أعداد الوافدين من الدول العربية غير المستقرة في الفترة الأخيرة، ناهيك عن خطط الحكومة والشركات لتصدير العقار للمواطنين في الخليج، وزيادة الطلب المستدام بحكم ارتفاع أعداد السكان.

القيمة السعرية للعقارات في مصر 

أي نعم.. القيمة السعرية للعقارات في مصر ارتفعت لمستويات غير مسبوقة لكن ذلك لا يعزز من احتمالية وجود فقاعة أو انفجارها، خاصة أنه قياسا على الدول التي عانت من فقاعات عقارية، والتي تجمع قواسم مشتركة كارتفاع الرخاء، وانخفاض أسعار الفائدة، وتوافر منتجات التمويل العقاري وسهولة الوصول إلى الائتمان، يبدو أننا بعيدون عن تلك المسببات تماما، فلم نشهد حالة رخاء اقتصادي في فترة ارتفاع الأسعار ولا لدينا سهولة في الائتمان، وهو ما يشير إلى أن زيادة أسعار العقار ليست بسبب ائتماني، إنما ترجع إلى تحول العقارات لمخزن ثروة بفعل التضخم وموجات تحرير العملة المتتالية.

أعلم أن هناك تحليلات حاولت الربط بين استمرار زيادة أسعار العقارات في مصر في الوقت الذي يشهد المعروض ارتفاعا كبيرا وكذا طلبات إعادة البيع، حيث رأوا فيها مؤشرا على حدوث انفجار وشيك لهذه الفقاعة، لكن في الحقيقة زيادة الأسعار في ظروفنا ليس لها علاقة بذلك، خاصة أنها ناجمة عن التضخم وارتفاع تكاليف البناء وأيضا عن سياسة المطور العقاري ذاته والذي يعمد إلى رفع أسعار كل مرحلة عن سابقاتها.

التمويل في مصر 

أضف إلى ذلك أيضا أمرين غاية في الأهمية فيما يخص التمويل في مصر، أولهما أن التمويل العقاري المباشر للأفراد من البنوك صعب مما يجعل الغالبية يتجنبونه، والثاني يكمن في أن عدم استكمال المشاريع في مصر لا يقابله توقف عن سداد أقساط الوحدات، لأن غالبية عقود المطورين أشبه بعقود الإذعان تتيح للمطور صرف مستحقاته بشكل مستمر ومؤمن.

ناهيك عن أن التطوير العقاري في مصر يتبع نظام الـ off-plan أو شراء الملكية على الورق، وهو ما يعني أن المشتري يشتري عقارا في طور الفكرة وبذلك فلا يوجد عبء مالي مُكتمل على كل الأطراف المرتبطة بالنسبة لسعر العقار، على عكس ما يتم في الولايات المتحدة من اكتمال المخاطرة، في ظل أن عملية البيع تحدث عندنا يكون البائع قد قبض ثمن العقار كاملا وتمكن المالك من العقار، بينما يتحمل البنك المخاطرة ويضطر للجوء للحجز العقاري (foreclosure) حال تعثر المشتري، وهو ما يدفعه لبيع العقار قيد الإشكال بسعر يوازي الأموال المستحقة عليه والتي قد تكون أدنى من سعر الشراء بكثير، وهي الحالة التي إن زادت عن حدودها بفعل انهيار ائتماني أو ما يعرف بالـ credit event يترتب عليها انهيار السوق رأسا على عقب.

التقسيط المباشرة مع المطور 

أما في مصر فكما ذكرنا، فالتقسيط يتم مباشرة مع المطور بحيث لا يتسلم معظم المشترين وحداتهم قبل سداد نسبة معتبرة من قيمة التعاقد، عادة ما تكون متقاربة مع المبلغ الذي يستطيع عنده المطور العقاري تغطية معظم تكاليفه، كما أنه لا يخفى على أحد أن المطور يعتمد على سحب تسهيلات ائتمانية من البنوك نظير شيكات المشترين الآجلة، ولكن الأمر أيضا مقنن من خلال البنك المركزي بحيث يتماشي هذا "التخصيم" أو "التوريق" مع حجم الأعمال المنفذة بالفعل.

في حين أن المشتري الذي لجأ إلى العقار كمخزن قيمة، عادة لا يفكر أن يبيعه بأقل من القيمة التي اشترى بها، فنجد حالة فريدة من زيادة معروض السوق الأولي والثانوي، مع عدم نزول للأسعار في أمر يخالف أعراف قواعد العرض والطلب للسلع، فيتحول حينها تسعير العقار إلى سعر غير مرن.

وتشير الثوابت التاريخية إلى أنه على المدى الطويل، تتجاوز قيمة العقار معدل التضخم بمسافة بعيدة، فمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1963 ارتفع التضخم 896%، في حين ارتفع العقار 2350%، خلال تلك الفترة نفسها، أي أن قيمة العقار ساوت 2.6 قيمة ارتفاع التضخم، أما في مصر فمنذ 1963 ارتفع التضخم بنسبة 57650%، في حين ارتفع العقار 119900% (عينة استرشادية)، وهو ما يشير إلى نفس النسبة تقريبا.
 

كما يبرز المهندس أحمد السجيني رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، نقطة مهمة في هذا الصدد، حيث يرى أن توصيف العميل العقاري (المشتري) على أنه مستثمر هو فى الأصل تصنيف خطأ، ففي إطار الممارسة العامة هو عميل مستخدم وليس مستثمرا، لأن المستثمر العقارى هو من يقوم بعملية قيمة مضافة عن طريق الاستثمار فى المجال العقارى بمعادلة اقتصادية حقيقية (مشترى أرض/ مشارك فى أرض/ عضو اتحاد شاغلين / مساهم فى شركة عقارية)، أما ما خلاف ذلك فهي عملية شراء لأصل بغرض حفظ "قيمة الأموال" أو ما يعرف بالـ time value of money وليست عملية استثمارية حقيقية، وبذلك يصبح احتساب العائد مبنيا على مقارنته بالفرصة البديلة.

ختاما، فحالة التضخم السعري للعقار هي انعكاس لتردي قيمة العملة المحلية في ظل فترات طويلة من الفائدة البنكية السلبية (أقل من معدل التضخم) ومن ثم فإن التراجع السعري أمر غير وارد الحدوث، لكن الذي يمكن أن يحدث هو انحسار نسبة الزيادة المطّردة في أسعار العقار مقارنة ببدائل أخرى، وهو أمر شهدته مصر عدة مرات في العقود الأخيرة، وفي هذا السياق تتبخر تماما فكرة "الفقاعة" وانفجارها التي يجرى الحديث عنها منذ الثمانينيات ولم تحدث وربما لن تحدث بشكلها الكلاسيكي الذي يصوره البعض.

search