الإثنين، 16 سبتمبر 2024

11:27 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الدكتور محمد فؤاد يكتب.. مصر التي داخل الصندوق 5

الدكتور محمد فؤاد

الدكتور محمد فؤاد

A A

مثلما أظهرت الحلقات السابقة من سلسلة مصر التي داخل الصندوق، أنه لا حاجة إطلاقا إلى استهلاك الوقت والفكر في البحث عن حلول خارج الصندوق يرتب تطبيقها -في الغالب- نتائج غير مضمونة ومكلفة، في حين أن ما بداخله قد استقر عبر التجارب للدرجة التي تجعله كفيل بالإصلاح.

فلا يحوي الصندوق أفكار وآليات فقط، لكنه يتضمن كذلك أسس ومفاهيم وتنبؤات قائمة على معطيات ويحدد مواقيت التنفيذ، وهو ما من شأنه أن يقلل الضرر الناتج عن الأزمات ويسرع إجراءات الحل التي إن صادفت التوقيت المحدد، فقد لا تظهر تلك الأزمات ويتم احتوائها في المهد، بما يجنب آثار سلبية على وضع الدولة والمواطن على حد السواء.

المثال الأقرب إلى إثبات ما سبق، هي إشكالية تفحل الديون المصرية الخارجية، التي شارفت على مستوى 170 مليار دولار بمعدل ارتفاع متزايد للغاية خلال السنوات الأخيرة، ففي حين أن المشكلة ليست تزايد هذا الرقم، يظهر تأصلها في طريقة استغلال هذه القروض وقدرة الاقتصاد على تحمل سداد أقساطها.

فالديون السيادية عادة تُرحل ولا تسدد، طالما لا تتعدى المستويات الآمنة وطالما يتم استغلالها في مشروعات تحقق عائد يضمن سداد أقساطها، لكن بما أن ظروف الدولة دفعت إلى استهلاك معظمها في مشروعات غير مدرة، فقد ظهرت المشكلة وأصبحت الدولة تعاني في كل مرة يأتي موعد السداد وتبحث عن عملة أجنبية بطرق شتى وهو ما خلق طلب متزايد عليها وأثر تباعا في انخفاض قيمة الجنيه.

وللأسف رغم أن المشكلة كانت واضحة مبكرا إلا أن البحث عن حلول خارج الصندوق قد أجل إجراءات المواجهة عن موعدها المفترض، بما يجبر الآن على تنازلات كثيرة في سبيل محاولة الاستدراك، خاصة وأن الدولة في أمس الحاجة إلى نقد أجنبي يساعدها في تحمل نفقاتها سواء قروض أو استيراد أو مستحقات شركات أجنبية وغيره.

وفي ورقة بحثية في يوليو 2023 تحت عنوان "هل حان الوقت للتفكير في إعادة هيكلة ديون مصر الخارجية؟"، بالتعاون مع المركز المصري للدراسات الاقتصادية، قد طرحت فيها كل شيء -داخل الصندوق- عن الديون، بداية من تفصيل وضع الديون المصرية، وأسس مسألة الهيكلة، وكذا الحدود الآمنة للديون ووضع التخلف عن السداد، وجدوى الهيكلة وإمكانية تطبيقها على حالتنا، والخطط الممكنة للتعامل مع موقف الدين الخارجي.

تحدثت وقتها أن الدولة المصرية لديها ودائع خليجية قصيرة وطويلة الأجل، من الممكن التفاهم على تجديدها أو التفاوض الجاد على تحويلها إلى استثمارات مباشرة في الطروحات القائمة على أن تستهدف الدولة تحويل نسبة 40%  من تلك الديون (12مليار دولار)  إلي صفقات تجارية، وإعادة جدولة المتبقي.

أما الديون المستحقة للمؤسسات متعددة الأطراف وعلى رأسها صندوق النقد الدولي فهي تستلزم البحث عن سبب وجيه لقبول هذه المؤسسات الهيكلة الاستباقية، وتحدثت كذلك أن استبدال السندات الدولية بإصدارات بديلة سيكون أمر صعب حيث لا يمكن وضع خطط مستقبلية تركن إلى اتاحة قريبة لاقتراض ميسر.

وفي المسألة الأولى "الودائع الخليجية"، تحركت الدولة -وإن كان بشكل متأخر - ورأينا ذلك في تفاصيل صفقة رأس الحكمة مع الجانب الإماراتي وما يجري الحديث عنه الآن حول تحويل بعض من ودائع المملكة السعودية نحو استثمارات، حسبما جاء على لسان السيد خالد الفالح، وزير الاستثمار بالمملكة بشأن عقد اجتماعات تنسيقية لهذا الغرض.

وفي المسألة الثانية، أبرمت مصر اتفاقا مع الصندوق جرت مراجعته الأخيرة منذ أيام، وهذا الاتفاق لا يخرج عن كونه إعادة جدولة ناعمة للالتزامات تجاه الصندوق، إذ يبدو ذلك جليا لو نظرنا لمدفوعات مصر تجاه الصندوق في العام الحالي والتي تقارب لـ 6 مليارات دولار مقابل ما ستتلقاه مصر بنهاية العام وهو ما لا يتجاوز 3 مليار دولار.

وعلى الرغم مما أشارت إليه سلفا، وحالفه التنفيذ مؤخرا هو خطوة على الطريق السليم بالنسبة لوضع الدين الخارجي، إلا أنه من الحصافة أيضا مواجهة ما أتى بنا لهذه العثرة في المقام الأول، قبل أن نحاول التحجج بالظروف والمؤثرات الخارجية، رغم نصيبها البسيط، وتحمل صنع أيدينا نصيب الأسد دون مواربة.

لقد توسعت الدولة ماليا بشكل شديد في الإنفاق العام بشكل أدى لتوسع فجوة الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وأدى العجز المزدوج إلى استدانة خارجية، رتبت بدورها انفلات سعر الصرف بما تسبب في اتساع عجز الموازنة وعليه لجأت المالية لسلطة البنك المركزي لإنشاء النقد فاتسع المعروض النقدي و ارتفعت فيها التكلفة بدورها بفعل اختلال سعر الصرف، وهو ما انتهى بنا أخيرا إلى معدل التضخم المرتفع.

وعليه، فاجتناب موطن الخلل فيما تقدم هو الضمانة الوحيدة للاستمرارية وإلا وجدنا أنفسنا في نفس مأزق 2022 بشكل أسرع من الدورات السابقة، وندور في فلك “نجرب المجرب” كما يقول الشيخ عبد العظيم الربيعي:
لا تــجـرب نـكـتـةً جـربـتها.. فمن التوفيق حفظُ التجربة
فـإذا جـرَّبتها مـع حـفظها.. لــم يـكـن فـعـلُكَ إلا مـلعبة

search