محمد إبراهيم طعيمة يكتب.. وهل الفن إلا صناعة الرعاع والساقطين؟!
محمد إبراهيم طعيمة
اختتمت مساء أمس الأربعاء فعاليات الدورة 31 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، والذي قوبل بموجة من الهجوم والانتقادات العنيفة وصلت إلى حد السخرية من إدارة المهرجان، عقب الإعلان عن تكريم الفنان الكبير محمود حميدة في حفل الافتتاح، الذي أقيم على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، بدعوى أنه لا علاقة له بالمسرح ولا بالتجريب، وأنه يعد نجماً سينمائياً وتليفزيونياً أكثر من كونه ممثلاً مسرحياً.
الغريب في الأمر أن هذا الهجوم وتلك الانتقادات خرجت من فنانين ومسرحيين ومثقفين ونقاد، وجميعهم يفترض فيهم الثقافة والدفاع عن أبناء مهنة الفن والإبداع، فالفنان محمود حميدة كما ذكر الدكتور أيمن الشيوي مدير المهرجان وعميد المعهد العالي للفنون المسرحية، فنان مسرحي قديم، قدّم عرض "الشبكة" بمفرده في المسرح القومي من إخراج سعد أردش، كما قدّم العديد من العروض المسرحية التجريبية وغير التجريبية، وهو فنان مسرحي مهم وسيرته الذاتية مليئة بالعروض المسرحية.
والحقيقة أني لم أفاجأ برد فعل المهاجمين والمنتقدين، الذين يفترض بهم كما ذكرت أنهم مثقفون وينشرون الفكر والإبداع والفن، فقد سبقهم في هذا، وبطريقة أكثر حدة وعنفاً وإيلاماً أبو المسرح المصري الحديث توفيق الحكيم، عندما اعتبر أن مهنة التمثيل دنساً وصناعة للرعاع والساقطين!!
وأتذكر أنني أثناء رحلتي لجمع مراجع وكتب تخص رسالتي للدكتوراه والتي تتحدث عن المسرح وتأثيره على القيم الثقافية، وقع بين يدي كتاب "مسرح توفيق الحكيم" للكاتب والناقد الكبير فؤاد دوارة –رحمه الله - ونشرته الهيئة العامة للكتاب في عام 1985، وكان من أكثر ما لفت نظري هو ما حدث في 19 سبتمبر من عام 1935 عندما كتب توفيق الحكيم، رسالة إلى الناقد المسرحي محمود كامل، ونشرتها مجلة الجامعة في يوم 10 أكتوبر 1935، ويشرح فيها الحكيم أسباب هجره للمسرح آنذاك.
وقال توفيق الحكيم: إني كنت أود من أعماق قلبي أن أقدم حياتي الباقية لخدمة الفن غير طامع في شيء، ولكن أتدري ماذا جرى؟، قامت عليّ قائمة الأهل والمعارف والأقرباء، وجلهم أهل علم وفضل، وبعضهم يشغل مناصب كبرى، لاموني أشد لوم، بل صرخوا في وجهي قائلين: أي فن تعني؟ بل أي هوة تريد أن تقذف بنفسك إليها؟ وهل الفن إلا صناعة الرعاع والساقطين؟
ويكمل: فسكتّ رغماً عني وآثرت السفر على سماع هذا الكلام، وقبل السفر قابلت أحد أساتذة مدرسة الحقوق، وكان قد شاهد رواية لي، فاستشرته في أمري، وقال: سافر وادرس الدكتوراه لتعود قانونياً محترماً، إن كتابة الروايات عمل لا يليق بأمثالك، فترفع عن ذلك واربأ بنفسك أن يصيبها دنس هذه الصناعة.
كان هذا ما عاناه توفيق الحكيم وهو كما ذكرنا أبو المسرح المصري الحديث، حين أراد الكتابة للمسرح في البداية، وكانت النتيجة أن تولدت لديه ما أسماه الناقد فؤاد دواره "عقدة التمثيل"، وكان حل هذه العقدة هو فصل النص المسرحي باعتباره نصاً أدبياً محترماً، عن فنون الأداء أو التشخيص، باعتبارها دنساً وصناعة الرعاع والساقطين، فكانت "أهل الكهف" التي وصفها لصديقه أندريه قبل نشرها بأنها حوار أدبي للقراءة وحدها، فإن وضعها للتمثيل لم يخطر لي على بال، لأن كلمة "التشخيص" التي عرضتني للإهانة في بدايتي الأدبية مازالت ترن في أذني.. كلا، بل هدفي اليوم أن أجعل للحوار قيمة أدبية بحتة ليقرأ على أنه أدب وفكر.
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ، أن المسرح الذي يعد وسيلة مهمة وفعالة للتأثير وإحداث التغيير في المجتمع، من خلال تعزيز الخطاب والحوار الاجتماعي، وإلقاء الضوء على جوانب مختلفة في المجتمع، وإظهار وجهات النظر المعارضة، مما يساهم في دراسة المشكلات المجتمعية ومحاولة إيجاد حلول لها، كما يساعد على تثقيف المجتمع بأكمله، حيث تجعله مطلعًا على المواقف الاجتماعية السائدة، والعقليات المختلفة في المجتمع، ولكن بالرغم من كل هذا خرج علينا المثقفين ليقللوا من تكريم محمود حميدة، ومن قبلهم خرج توفيق الحكيم ليقول إن مهنة التمثيل دنس وصناعة للرعاع والساقطين.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً