الجمعة، 22 نوفمبر 2024

04:58 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

دينا شرف الدين تكتب.. لمحات من مصر على مر العصور (مصر القديمة 2)

دينا شرف الدين

دينا شرف الدين

A A

«الديانة المصرية القديمة».. لعب الدين دورا هاما في حياة المصري القديم فلم تكن هناك قوة تسيطر على حياته كما يسيطر الدين، فمنذ سبعه آلاف عام، في مدينة «أون القديمة»، والتي عُرفت في عهد الإغريق باسم "هليوبوليس" المعروفة بـ"عين شمس" حالياً، ظهرت عبادة الشمس، وقد اعتقد المصري القديم أنه في موقع تلك المدينة بدأ خلق الحياة.

والحقيقة أن نقوش العديد من الأسر المبكرة سجلت لنا صورة واضحة لتلك المدينة المصرية التاريخية، والتي أصبحت بمرور الزمن مركز لعبادة اله الشمس، اعتقد كهنة مدينة ( أون ) بأسطورة الخلق التي تعود إلى إله الشمس المسمى (أتوم) كأب لجميع الآلهة، إذ يشكل أتوم مع ثمانية من أبنائه وأحفاده (تاسوع هليوبوليس).

فقد كانوا يعتقدون في البداية أن أتون خلق نفسه بنفسه باعتباره نشأ من فيضان كان يغمر الأرض برمتها. وبقوته استطاع إخراج هضبة فوق سطح الماء «تاتين» أو «بنبن» وبذلك استطاع أتوم أن يكون أول ما ظهر على الأرض. 

ثم بدأ بعد ذلك في خلق بقية الدنيا، فولد من جسمه ابنين هما شو إله الهواء ونوت إلهة السماء، ثم أنجبت نوت وزوجها شو أربعة أبناء، ولدين وبينتين، هم: إيزيس وأوزوريس ونفتيس وست، حيث يمثلون أرض وادي النيل الخصبة وما يحيطها من صحراء.

كما نشأت في (منف) أسطورة أخري للخلق خاصة بالإله (بتاح) وهو إله العمال والمهندسين. تربط هذه الديانة بين بتاح والشمس على اعتبار أن بتاح جاء قبل الشمس حيث خلقها من لسانه وقلبه.

وفي منتصف عصر المملكة الحديثة، وتحديدًا في عهد إخناتون (حوالي 1353-1336 قبل الميلاد)، أصبح ( اتون) أحد آلهة الشمس، محور الدين الرسمي للدولة، وامتنع أخناتون عن رعاية معابد الآلهة الأخرى، وراح يمحو أسمائها وصورها من الآثار التاريخية، وخاصة ما يتصل منها بآمون. 

فقد كان إخناتون أول من دعى إلى التوحيد و عبادة الإله الواحد، ومع ذلك، لم تخلو الديانة التوحيدية من تسامح مع المعتقدات الأخرى، حيث توحي بعض الأدلة أن عامة السكان لم يكرهوا عليها، بل كان مسموحاً لهم عبادة آلهة غير آتون، ولهذا يرى دومينيك مونتسيرات، عالم المصريات، أن أخناتون كان يؤمن بوجود آلهة أخرى، ولا يرى لأحدها حقًا في العبادة ما عدا آتون. وعلى أي حال، لم تجد الديانة التوحيدية قبولاً لدي العامة، فسرعان ما عادوا لعبادة آمون و معبوداتهم السابقة بعد وفاة إخناتون أو مقتله ' عندما تآمر عليه كهنة آمون و هدموا مدينته (اخيتاتون) التي كانت مركز لعبادة الإله الواحد آتون.

وقد كان هناك ارتباط وثيق لآمون بالملكية المصرية، فطبقا للاهوت الرسمي في الدولة الحديثة، كان أمون-رع هو الذي يحكم مصر من خلال الملك، ويظهر مشيئته من خلال كهنته. لكن مع ازدياد أهمية الإله ازدادت قوة كهنته وسطوتهم ففرضوا سيطرتهم على الساحة السياسية، ووصل الحال إلى أن حكمت مصر سلالة من الملوك الكهَّان بالأسرة الـ21.

وقد ذاعت شهرة الإله آمون خارج حدود المملكة المصرية لتصل إلي بلاد اليونان، لدرجة أنه عندما  غزا الاسكندر الأكبر مصر سنة 331 ق م، كان أول ما فعله هو الحج لمعبد الاله امون فى واحة سيوة.

استمر احترام وتقدير ملوك العصر البطلمي والروماني للدين المصري القديم وشاركوا بالطقوس والاحتفالات المصرية الدينية إلى أن دخلت المسيحية مصر و انتشرت لتظهر حالة من العداء والازدراء للديانة المصرية القديمة، حتى تقلصت و تلاشت مع اعتبار المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية.

كما كان المصري القديم متمسكًا بفضيلة الصدق؛ داعيًا غيره إلى التحلي بها، معتقدًا كل الاعتقاد أن الله سيجازيه على كل ما ينطق به لسانه؛ سواءً كان صدقًا أم كذب. 

حتى إن «الفلاح الفصيح» في شكواه إلى الأمير يثيره نحو الصدق فيقول: «ولا تكذبن وأنت عظيم، ولا تكونن خفيفًا وأنت عظيم، ولا تقولن الكذب فإنك الميزان، إنك على مستوى واحد مع الميزان، فإذا انقلب انقلبت، ولا تغتصبن بل اعمل ضد المغتصب، وذلك العظيم ليس عظيمًا ما دام جشعًا، إن لسانك هو ثقل الميزان، وقلبك هو ما يوزن به، وشفتاك هما ذراعاه، فإن سترت وجهك أمام الشر فمن ذا الذي يكبحه؟»

كما نجد أن قوانين الماعت الـ42 شريعة أمة فجر الضمير (مصر) قد كُتبت على لسان أرواح الموتى الذين انتقلوا الى العالم الآخر، وهم يقفون فى قاعة الماعت (العدل) يوم الحساب، أي أن تلك القوانين لم تفرض على الانسان من الخارج، وإنما هى نابعة من داخله.

لأن بداخله الضمير ..... جوهر الفضيلة ..... وما عليه سوى تفعيل الضمير.... وهذا ما فعله قدماء المصريين ... أمة فجر الضمير.

وقد ظهرت شكاوى الفلاح الفصيح فى عصر الدولة الوسطى، العصر الذهبي للأدب المصري القديم الذى قدم للإنسانية نصين من أروع النصوص الأدبية العالمية و هما شكاوى الفلاح الفصيح و رواية سنوحى المصري.

فقد رفع الفلاح الفصيح شكواه الى رئيس البلاط فى «تسع مرافعات»، عندما تعرض للنهب من أحد كبار رجال الدولة.

لم يكن هدف الفلاح الفصيح من مرافعاته التسعة هو الحصول على ما سُلب منه ولكن الهدف كان تطبيق القانون على الموظف الجشع الذى سلبه ممتلكاته إذ أن إقامة العدل وإرساء دولة القانون كان هو الهدف من تلك القصة ومن مرافعات الفلاح الفصيح البليغة.

وبما إن الحاكم كان هو المسئول عن إقامة الماعت فى الأرض، فها هو الفلاح الفصيح يقول لرئيس البلاط:    

لا تقل الكذب أنك الميزان.
لا تخطئ لأنك الصواب.
انظر.. أنت والميزان واحد، يميل بميلك.    
لا تنحرف عن الطريق المستقيم ولا 
عاقب السارق، فهذا الجشع ليس عظيما 
وليكن لسانك المؤشر المستقيم للميزان 
والمثقال قلبك
وشفتاك ذراعي كفتاه 
عندما تتجاهل المعتدى، من يقاوم الشر إذن؟

                                                                  للحديث بقية..

search