الأحد، 08 سبتمبر 2024

09:42 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

محمد فؤاد يكتب.. مصر التي داخل الصندوق 4

الدكتور محمد فؤاد

الدكتور محمد فؤاد

A A

على مدار 3 حلقات من سلسلة “مصر التي داخل الصندوق” حاولت تأصيل فريضة الاعتبار لمفاهيم وأسس علم الإدارة، وأن العبرة ليس في البحث عن أفكار من خارج الصندوق قدر ما هي في نتيجة التطبيق، ففي حين أن البعض منهمك في البحث عما هو خارج الصندوق، يمثل ما بداخل الصندوق ذاته أولوية خاصة في حالتنا.

وبحكم قرار زيادة أسعار الوقود، وما يمثله من إبراز لأحد الأفكار التي يتم تبنيها وتشت عن الصندوق وملموسة في صميم حياتنا اليومية، حيث تحاول الحكومة من خلاله تخفيض عبء الموازنة من ناحية وكذا التوافق مع شروط صندوق النقد، بما يعكس طبيعة التصور للعلاقة بين النمو الاقتصادي وقدرته على إحداث تقدم فعلي في الظروف المعيشية "تنمية".

تبرهن الزيادات الأخيرة أن أهداف الحكومة المصرية الاقتصادية تتمثل في تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة للدولة، واستقرار سعر الصرف، وتعزيز نمو الناتج المحلي، والحفاظ على مستويات احتياطي أجنبي مرتفعة، فهذا شغلها الشاغل، لأنها فصلت بشكل واضح الاقتصاد الكلي عن الظروف المعيشية من أجل استمرار المسار التوسعي للاقتصاد ظنا أن القادم حتما سيكون أفضل.

أن النظرية التي تتبنى فكرة أن الزمن كفيل بإحداث التنمية تم اختبارها في طروحات كثيرة أقدمها تقريبا دراسة "فرانسيس ستيورات" التي تطرقت لمفهوم الاحتياجات في الدول النامية. و خلصت أنه لا توجد علاقة منهجية بين النمو الاقتصادي لدولة ما وأدائها في تلبية الاحتياجات الأساسية على المدى المتوسط.

هذه الدراسة وغيرها تطرح تساؤلات كثيرة أبرزها: ما مدى صحة التصور بأن استقرار سعر الصرف أو انحسار معدلات التضخم لابد وأن يُترجم حتميا في تحسن ظروف المعيشة لدى المواطن؟ وإلى أي مدى يرتب النمو الاقتصادي حتميا هذا التحسن؟

وفي حين أن "النمو" و"التنمية" الاقتصادية متشابهان على المستوى الاصطلاحي، إلا أنهما مختلفان تماما، فالنمو الاقتصادي مفهوم كمي صِرف معنِي بقياس الزيادة في القيمة السوقية الإجمالية باستخدام قياسات مثل الناتج القومي الإجمالي وهو مفهوم ضيق بالمقارنة مع التنمية الاقتصادية، التي تمثل مفهوم نوعي يرصد تحسن الحياة.

وقد تحدث اقتصاديون كُثر عن النمو الاقتصادي مثل مفهوم الـ ٥ مراحل التي اقترحها الاقتصادي الأمريكي والت ويتمان روستو وتعد من أبرز نظريات النمو الاقتصادي، التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية.

أما عن التنمية، يتفق معظم خبراء الاقتصاد التنموي أن المراحل الرئيسية للتنمية ترتبط بـ ٣ ضوابط، أولها التحول الهيكلي للاقتصاد، ثم التحول الديموغرافي وأخيرا عملية التحضر، لذلك عدم تحول النمو الاقتصادي لعملية تنموية حقيقية مرتبط بشكل كبير بالطريقة التي يحدث بها هذا النمو.

وقد وصف موري هانتر ما أسماه "الاقتصاد المتخلف" في ورقة بحثية بعنوان "مراحل التنمية الاقتصادية من منظور الفرص: امتداد ل روستو". قال "هانتر" إن "الاقتصاد المتخلف" هو اقتصاد يشهد تقدم بفِعل الاستثمار الحكومي في مشاريع البنية الأساسية، مثل الطرق والسكك الحديدية والمطارات وخدمات الاتصالات التي تدعمها الحكومة لتعزيز قدرة المجتمع على تطوير نفسه لكن مع تسارع الوتيرة تحدث إشكاليات متعددة.

الاقتصاد في هذه الحالة يدخل ما أسماه "روستو" في نموذجه بالمرحلة الانتقالية، مما يدفع الدولة إلى التطور السريع. ولكن مع سوء الإدارة الاقتصادية والمحسوبية وسوء تخصيص الموارد والفساد، قد يغرق الاقتصاد في حالة متخلفة من الفقر و بالذات مع عدم وجود مستهدفات اجتماعية واضحة لجودة الحياة.

هنا يحدث انفصال ما بين النمو والتنمية، لأن النمو في الحالة السابقة ليس له استدامة ولا يؤهل لإحراز تقدم تنموي، بل أن العكس تماما ما يحدث لأن الدولة في هذه الحالة تتشدد في قرارات اقتصادية لا تستطيع أن تداويها دون الضغط على المجتمع، في حالة أشبه بمن يشرب من ماء البحر.. كلما شرب، كلما ازداد عطشه! وبالطبع الأمثلة في حالتنا واضحة للغاية.

الخلاصة أن التنمية فعل نوعي ليس بالضرورة كمي، ولكن هذا لا يعني أنه بلا قياس، فمستهدفاته واضحة كنسب الفقر أو الأمية وكذا نسب تشغيل الإناث ومستوى الرعاية الصحية وغيرها من المؤشرات، لكن الفكرة أنه دون مؤشر واستهداف وإدارة لن يحدث انتقال أتوماتيكي من النمو للتنمية.

ففكرة "الانتظار لقطف الثمار" أو أنها "مرحلة وهتعدي" أمور مرتبطة بشكل أساسي بانحراف الطريقة التي تم بها إدارة النمو، بما يجبر على معايشة دورات عنيفة من انطلاقة للاقتصاد الكلي ثم تراجع ثم أثر مجتمعي عنيف، لأن البعض قد يتصور -خاطئا- أن هناك علاقة مباشرة بين الإنجاز المادي وبناء البشر وأن هذه العلاقة تحدث تلقائيا مع الوقت. للأسف محال!