الأحد، 08 سبتمبر 2024

03:35 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

محمد فؤاد يكتب: مصر التي داخل الصندوق (2)

محمد فؤاد

محمد فؤاد

محمد فؤاد

A A

في مقالي السابق «مصر التي داخل الصندوق»، تحدثت باستفاضة عن فريضة الاعتبار إلى علم الإدارة والحرص على تطبيق أدواته في كل شيء وخاصة فيما يتعلق بإدارة الدول، وأن العبرة ليست باختبار أفكار من خارج الصندوق قدر تطبيق ما يحويه أولا، على عكس ما يظنه البعض أو يعتقد فيه الخلاص.

فصندوقنا لم يُفتح ويُجرب من أساسه حتى ننادي بتطبيق أفكار من خارجه، كما أن التجارب الدولية كفيلة بإثبات أن ما بداخل الصندوق -حال تطبيقه بشكل سليم- قادر على انتشالنا من العثرة التي ترجع في أغلبها إلى سيطرة فكر العنتريات وتجاهل مفاهيم وأسس الإدارة والاقتصاد، وهو ما أستعرضه بالأمثلة في مقالي الحالي وما يليه.

المثال الأول والأكثر اتفاقا مع ما ذكرته، يتمثل في مخرجات الحوار الوطني -لجنتي الصناعة والاستثمار تحديدا- في مرحلته الأولى والذي يمثل نتاج نقاشات وحلقات ومداخلات على مدار شهور، حيث لم تتضمن التوصيات التنفيذية أي هدف "كمي" واحد، من واقتصر الحديث عن "تعظيم"، "تعميق"، "زيادة"، دون أي مؤشر واضح أو مستهدف مرحلي أو طويل المدى.

حتى مؤشرات متابعة الأداء تم قياسها بـ"عدد" وليس "نسبة"، في حين أنه لا توجد منطقية أو تجربة معتبرة تشير إلى وجود قياس أداء من خلال مقدار volume، فأي مؤشر لابد أن يكون مدخلات مُقارنة بمخرجات، أما فكرة "الإنجاز" في المطلق كمبنى أو كمشروع أو كإجراء دون ربطها بمستهدف ومعدل تنفيذ ففي الغالب سوف يظل كلاما على الورق، وللأسف يسود ذلك في حالتنا كثيرا.

المثال الآخر -الذي يبرز أن أحد أبرز مشاكل الإدارة العامة في مصر هي غياب أساسيات الإدارة مثل التخطيط والإدارة بالبيانات، ويجعل كل شيء تقريبا يُدار بـ"ارتجال"-، يكمن تفصيلا في مُستهدفات الصناعة وتطويرها في مصر.

فحينما تطالع هذه المستهدفات يتضح أن نسبة الصناعة من الناتج المحلي في مصر حاليا حوالي 15%،  وبمقارنة الرقم بما هو في دول أخرى تسعى لتكون قوة صناعية، مثل تركيا نجد هذا الرقم يصل لـ 22% وفي ماليزيا 23% أما الصين فيفوق الـ40% .

وتستهدف الدولة زيادة هذا الرقم إلى 18% في خطة 2030وهو ما تعتمده الحكومة الحالية كتوجه اقتصادي لها بحسب بيانها أمام مجلس النواب، لكن حين ترجمة هذا المستهدف على أرض الواقع لأرقام، تتضح الإشكالية.

فوفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى 571مليار دولار بحلول عام 2030، وفي حالة اسقطنا نسبة الـ 18٪ مُستهدف على هذا الرقم، يصبح الحديث قائم على تصنيع حجمه 103مليار دولار تقريبا بحلول 2030، وهو ما يمثل تقريبا 37٪ نمو خلال 5 سنين من المستوى الحالي، وبينما يبدو أن نسبة 37٪ نمو بحلول 2030،  رقم "مُمكن" إلا أنه منافي للواقع.

فنسبة التصنيع من الناتج المحلي قد تراجعت في آخر 10 سنوات من أصله ولم تتقدم، كما أن هذه النسبة تصطدم أيضا مع تصريحات تنفيذية خاصة بفكرة "التصدير" و الطموح في بلوغ الصادرات 100 مليار دولار،

فحين يكون إجمالي التصنيع المستهدف طبقا للخطة 103مليار دولار بحلول 2030 وننتج حاليا ما قيمته 75 مليار وتبلغ صادرتنا السلعية 34 مليار دولار، فإذا افترضنا جدلا أن التصنيع زاد لـ 100 مليار دولار وافترضنا جدلا أيضا أن كل هذه الزيادة - إن تمت - ستذهب للتصدير، فإن أقصى تقدير للصادرات السلعية سيكون 60 مليار دولار وليس 100 مليار دولار.

جزء كبير من التفاؤل في المجال الاقتصادي يجب أن يكون مبني على ما يعرف بالـ process capability أو قدرة العملية الإدارية على تحقيق المستهدف، وهو غير موجود في حالتنا، الذي ينافي فيه المستهدف إجراءات تنفيذه، بما يعني أننا في حاجة إلى خطة أكثر من مجرد الحديث والتصريحات خاصة وأن الأداء التاريخي لا يساند لا أفعال ولا حتى كلام.

والمعضلة الأكبر أن هناك مُحددات اقتصادية أكبر من الطموح، ولذلك من الصعب حسابيا استهداف نمو في قطاع معين برقم محدد دون أن يستطيع الاقتصاد الكلي أن ينمو بالشكل الذي يخدم منطقية هذا الرقم ويحقق تطور يؤهل لتحقيق هذا المستهدف.

مرة أخرى أعلم انني أتحدث في بديهيات لكن أذكر نفسي وإياكم بالمثل الدارج: “الإدارة فن مش عن عن!”