الإثنين، 25 نوفمبر 2024

07:03 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الدكتور محمد فؤاد يكتب: قراءة في مخرجات الحوار الوطني الأولية

الدكتور محمد فؤاد

الدكتور محمد فؤاد

A A


تعرضت لما قد صدر عن مجلس أمناء الحوار الوطني، من توصيات ومخرجات للمناقشات التي جرت داخل جلساته ولجانه خلال الفترة الماضية، والتي تم رفعها إلى رئيس الجمهورية، والذي بدوره أحالها إلى الجهات المعنية لتنفيذها.

المحور الاقتصادي وحده - بما أنه موضع اهتمامي الشخصي- فشهد على مدار 6 أسابيع من الجلسات النقاشية العامة وأسبوعين من الجلسات التخصصية، عقد 13 جلسة تخص هذا المحور، وشارك فيها نحو 1714 من ذوي الشأن والخبرة وممثلي الأحزاب وغيرهم.

وفي الحقيقة.. عند النظر إلى هذه الأرقام، يجب أن يتبادر إلى الذهن أن التوصيات والمخرجات التي أفضت إليها هذه الجلسات الطويلة والمشاركات المتعددة، بلا شك يجب أن تكون على قدر عالٍ من الدقة والتوصيف للحالة الاقتصادية، التي تمر بها الدولة وسبل الحل المبتكرة التي تُخرجنا مما وصلنا إليه وتعيد المسار إلى وضع مستقر متنام.

ولكن، عند قراءة ما صدر والتمعن فيه، فهذه التوقعات اصطدمت بمضمون غير مكتمل البنيان، خاصة أن فحوى المخرجات أقرب إلى العصف الذهني من كونها توصيات حقيقية لاقتصاد دولة يمر بأزمة عاصفة، قد تكون هي الأعنف في تاريخها.

على سبيل المثال ما صدر عن لجنتي السياحة أو الصناعة بحوالي 8 توصيات لكل منهما، تجد أن أغلبها أفكار مكررة كان من الممكن قبولها في ثمانينيات القرن الماضي، بل إنها عابرة للأزمان والدول وقابلة للتنميط، ناهيك عن أنها لم تكن تستدعي كل هذا الوقت والجلسات للوصول إليها، ويمكن ببحث بسيط على محركات البحث الوصول إلى توصيات أكثر دقة وفاعلية ومواكبة للتطور أيضا.

أما لجنة الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، فعلى الرغم من محورية هذه اللجنة وصواب توصية فض الاشتباكات بين الأراضي المخصصة للنشاط الصناعي وهيئة المجتمعات العمرانية، لكن بعض هذه التوصيات جاءت منفصلة عن الواقع، ومقترحات عديدة تم طرحها ومنها الشباك الواحد وتسريع الموافقات والتراخيص، أمور قد تم تطبيقها بالفعل ولا توجد بها أزمة شنعاء، اللهم ما يشكو منه المستثمرون الأجانب أحيانا من تأخر الموافقات الأمنية.

كما أن اختصار دور البنوك في تسريع الموافقات الائتمانية دون النظر إلى المشكلات المتعمقة التي تعانيها البنوك في توفير التمويل، خاصة التمويل الدولاري وإشكاليات الشركات الصغيرة في هذا الشأن، وعدم التطرق إلى أزمة اختلاف سعر الصرف وتبعاتها على ملف الاستثمار برمته هو أمر يتطلب مراجعة دقيقة.

بشكل عام.. هناك حالة من النمطية والتكرار وأسلوب الإنشاء والانفصال عن حقيقة المشكلات التي تواجهها قطاعات الاستثمار والسياحة والصناعة، بشكل لا يتسق مع الوضع الاقتصادي الذي تمر به الدولة، بما يشير إلى ضرورة إحداث تغيير في آلية الحوار الوطني، في شقه الاقتصادي تحديدا.

وبما أنه اتضح لي من خلال التواصل مع بعض المختصين، أن هذه المخرجات هي الجزء الأول لمناقشات وجلسات بعض اللجان أو بعض الموضوعات، وأن هناك جلسات أخرى تخص لبّ الأزمة الاقتصادية يجرى التجهيز لعقدها، ومنها بالطبع قضية "الدين العام"، فلا تزال هناك فرصة لتقديم مخرجات أكثر ارتباطا بالوضع.

وهنا وجبت الإشارة إلى أن الآمال معقودة على الحوار الوطني لإحداث فارق وليس مجرد نقاشات، وعليه فمن غير المتصور أن تنتهي مناقشات المحور الاقتصادي دون مخرجات حقيقية لمعالجة الأزمة وآليات فعالة في استهداف التضخم والعجز المزدوج وأزمة العملة وتفحل الديون، بالشكل الذي يحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي.

فإن كان هناك مزيد من هذه التوصيات "منتظرة"، فيجب أن تكون على مستوى الحدث ومُتعلقة بالظرف الحالي وليست عابرة للأزمان، وأن يكون لها معطيات كمية محددة، وأن تقتحم موضوعات قد يراها البعض حساسة ككيفية إرساء قواعد التنافسية وتخارج الدولة من الأعمال، وصياغة دور الدولة في الاقتصاد كمنظم وليس مُشغل.

أعلم أن إدارة حوار مشارك به هذا الكم من الحضور والمتحدثين هو أمر صعب للغاية سواء في الإدارة أو الخروج بتوافقات، ولكن تنظيم الجلسات الماضية، شهد تميزا في هذا الشأن وقدرة على الإدارة في ظل متغيرات كثيرة وآراء متباينة ومختلفة في أغلب الأحيان.

وهذا أمر غير مُستغرب من المستشار النابغ محمود فوزي، رئيس الأمانة الفنية للحوار، والذي أحدث نقلة نوعية في فترة توليه الأمانة العامة لمجلس النواب، ويجب أيضا أن أوفيه حقه بتقديم التحية له على التنسيق والتحضير والإدارة الخاص بالحوار الوطني، بجانب أعضاء مجلس الأمناء ومنسقه العام.

كما أن ثقتي كبيرة في استيعاب ضرورة تغيير الدفة من حوار نقاشي، يخرج البعض فيه الكبت الذي جمعه لفترات طويلة، إلى نقاشات حقيقية ومخرجات تحدث فارقا إيجابيا يليق بالمشكلة الموجودة والتحدي الراهن.. فالوطن ينتظر أطروحات رشيقة مشفوعة بآليات تنفيذ تصيغ الشكل الاقتصادي للدولة، على الأقل "حتى لا يكون كلاما في الهواء" كما قال الراحل فرج فودة.

search