هبة سامي تكتب .. إسرائيل وقبضة المحاكم الدولية
هبة سامى
يصمت القانون في زمن الحروب و تسود قوانين الغابة التي تمثلها الميليشيات و العصابات ، هكذا مرت الأعوام و القرون تسير عبر هذا النهج ، و لكن تغير هذا الظلام حين أصبح في العالم محاكم دولية و جنائية تحاكم الدول و الأفراد و تقتص لمن ظُلم حتى و إن طال الأبد.
الآن أصبحت إسرائيل في موقف المتهم و تبحث لنفسها عن حجج واهية لتحاول إثبات براءتها المزيفة فيما ارتكبته في حربها الأخيرة على قطاع غزة في دولة فلسطين العربية المحتلة ، بعد فتح أبواب المحاكمة القضائية و اتخاذ إجراءات عقابية صارمة لوقف الحرب ، بدأ التحقيق الذي أجراه مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية فيما يحدث في فلسطين عام 2015 ثم أصبح بشكل رسمي عام 2021 ، و بعد أن رأى العالم بأكمله و أصبح جليا أمامه جرائم إسرائيل في فلسطين رفعت جنوب إفريقيا في ديسمبر 2023 دعوى قضائية في محكمة العدل الدولية تتهمها بانتهاك ( اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948) حيث أن جنوب إفريقيا و إسرائيل طرفين ضمن الاتفاقية و من هنا كانت البداية لصوت القانون الدولي حين طلبت هذه الدولة من محكمة العدل الدولية وقف الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي تشكل انتهاكا صارخا لتلك الاتفاقية و لكل القوانين الدولية و الإنسانية لم تُنفذ حتى الآن.
أصبحت ظاهرة القتل اليومي التي تشهدها عائلات بأكملها في فلسطين مجرد تأكيد على حقيقة محاولات إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسري إلى دول الجوار ، بدعم من واشنطن التي تعارض تحقيق المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل ، و التي وجّهت صفعة لمحادثات الهدنة و تبادل الأسرى التي أقيمت في القاهرة و التي تتبنى جهود حثيثة لإنهاء هذه الحرب ، لكنها أكدت أن قرار مهاجمة رفح جنوب قطاع غزة سواء تم التوصل لاتفاق أم لا ، و أن خيار إنهاء الحرب غير مطروح ، و هذا ما لا يأمله السياسيون في مصر و غزة ، الذين يريدون إخبار ذويهم و مواطنيهم أن الحرب قد توقفت، و لكن كيف سيحدث هذا بينما لازالت إسرائيل تراوغ حول هذه الحرب الدامية و تنفي بشدة أن يكون هجومها على غزة يصل مرحلة الإبادة الجماعية و أنها في حالة دفاع عن النفس منذ اقتحام مسلحين من حماس جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي قبل سبعة أشهر تقريبا.
لم يستيقظ ضمير تلك المنظمات الدولية فجأة ، و لكن تتابع الأحداث و زيادة توترها قلب السحر على الساحر ، تعتبر قضية نيكاراجوا أحدث مسعى قانوني تسلكه دولة أخرى لوقف الإبادة الجماعية في غزة ، حيث قدمت طلب لمحكمة العدل الدولية أن تصدر أمرا لوقف المساعدات العسكرية الألمانية لإسرائيل، و اتهمت ألمانيا أيضا بحجب الأموال عن منظمة غوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) ، كما واجه حلفاء إسرائيل ضغوطا مشددة و متزايدة بوقف دعم و تمويل إسرائيل، كما تقدم إلى المحكمة أيضا طلب من خمس أعضاء بالتحقيق مع إسرائيل ، يعرقلها عدم انضمام إسرائيل لمحكمة الجنائية الدولية و عدم اعترافها بها ، و تلويحها على لسان نتنياهو أن المحكمة الجنائية تحاربنا !
بدأ يظهر على إسرائيل التوتر منذ شهر تقريبا بعد الضغط عليها ، تزداد المخاوف في الداخل الإسرائيلي من استمرار تداعيات إصدار مذكرات اعتقال بشأن نتنياهو و مسؤولين آخرين أمنيين و سياسيين و مخاوف أخرى من امتناع الدول الغربية الداعمة تسليم السلاح و مساعدات عسكرية لها ، أمر مختلف هذه المرة بعد وفاة أكثر من 40 ألف شهيد معظمهم من النساء و الأطفال المدنيين ، فماذا كانت تنتظر هذه المحكمة لتتحرك ؟
ربما لن تتخلى الولايات المتحدة عن إسرائيل و ربما لن تسمح لهذه المحاكمات أن تكتمل ، لكن الأمر لم يعد في قبضتها و سيطرتها كما في السابق ، و لكن بعد الضغط عليها الذي لا تمثله محكمة العدل الدولية و الجنائية الدولية فقط و لكن بعد الضغط عليها من قبل الشعوب و أعضاء المجتمع المدني و منصات التواصل الاجتماعي و المقاطعات و العقوبات فضلا عن الازدراء و نشر الوعي حول العنف الدامي اليومي على أرض فلسطين ، الملف الفلسطيني يطغى على الملفات الداخلية الأمريكية و الدولية ، فضلا عن المواطنين الأميركيين و مظاهرات طلاب الجامعات التي مثلت ضغطا كبيرا على السياسيين الأميركيين ، ستحاول إسرائيل التضليل رغم ذلك في جلسات المحكمة بحجة الجرائم التي ارتكبت بحق مواطنيها في السابع من أكتوبر الماضي ، و لكن لم يعد هناك مجال للمنظومة الدولية أن تتغاضى عن المقابر الجماعية و الإبادة ، لذلك بدأت الولايات المتحدة بتغيير لهجتها نحو الضغط على إسرائيل و التلميح لها برسائل عدة بأنه قد آن الأوان لوقف هذه الحرب قبل الوقوع في صراع إقليمي و دولي أكبر لا مخرج منه.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً