فيروس «السلطة الأبوية» طريق الإخوان والسلفيين للعودة فاحذروا
النائب علاء عصام
علاء عصام
عشنا آلاف السنين، منذ أن تعلم الإنسان الصيد وتقسيم العمل والزراعة واشتد الذكر عودة وأصبح أكثر قوة من المرأة، في سطوة الأب وكل نسله من الذكور على الأسرة، والتحكم في كل أفراد العائلة دون أي موضوعية أو منطق.
ويرجع تاريخ السلطة الأبوية إلى عصور السحر، ثم معرفة الإنسان الأديان، وتوحيد الآلة، فيما بعد، ويشهد تاريخنا الفرعوني الأول، الذي عرفناه بعد اكتشاف حجر رشيد على يد العلماء الفرنسيين، والذي جعلنا نفك طلاسم النقوش المحفورة في آثارنا المبهرة، مكانة الذكور في إعطاء الأوامر وفرض كلمتهم على الأسرة ومسؤوليتهم عن الأرض والفلاحة والقتال في المعارك، وإدارة الذكور للقصور والحكم من خلال الكهنة.
ولم نتحرر جزئيا من السلطة الأبوية إلا بعد نجاح الثورات الفكرية الأوروبية خلال العصور الوسطى وما بعدها، أي مما لا يزيد عن ٣٠٠ عام، وساهم ذلك في نهضة أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث أصبحت هذه المجتمعات قادرة على صناعة مناخ من الحرية بعد أن تساوى الجنسان اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
وتخلصت هذه الدول من السلطة الدينية الكنسية، التي قيدت حرية المرأة والأبناء عبر آلاف السنين وتحول الدين خلال ٣٠٠ عام، إلى علاقة خاصة بين الإنسان وربة ويحتكم أبناء الدولة للقانون الذي لا يفرق بين ذكر وأنثى.
ولكن دول الشرق والجنوب بعضها انتقلت له رياح المساواة، مثلما حدث في بعض المقاطعات الحديثة في الصين وفي بعض دول شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا، وبعضها الآخر ما زال يعاني من السلطة الأبوية وتقديس السلطة الدينية.
وللأسف مازالت مصر تعاني من السطوة الذكورية والسلطة الأبوية، بدرجات بعضها شديد التعقيد في الريف تحديدا، ودرجات أخرى أقل تدريجيا في مختلف أنحاء مصر.
ولعبت السلطة الدينية الممثلة في رجال الدين، دورا كبيرا في تعزيز فكرة السلطة الأبوية، رغم أن هذه السلطة لها إرث تاريخي يسبق الأديان، كما ذكرنا، ومن هنا يجب أن ندقق في أن الآباء والأشقاء الذكور، يحصلون على مكانتهم الاجتماعية في محيطهم القروي أو الاجتماعي، من خلال فرض كل أشكال السطوة والسيطرة والتحكم في حياة بناتهن وزوجاتهن.
وعلى الرغم من أننا شاهدنا خلال ١٠٠ عام مضت، مقاومة لهذا المجتمع الذكوري والسلطة الأبوية على يد مناضلات كثيرات، ظهرن خلال نضال مصر ضد المستعمر الإنجليزي، إلا أن أغلبية الأسر المصرية يفرض الأب فيها كلمته وقراره على كل أبناء الأسرة، سواء ذكورا أو إناثا ويحل محله الابن الذكر.
ويدافع الرجال عن هذه السلطة الأبوية بالاحتكام للآراء الدينية الجامدة، ولكن كلما ننغمس في الواقع وفي السلوك البشري، سنجد أن كثيرا من هؤلاء لا يمارسون الشعائر الدينية من الأساس، ويشربون الخمر ومخدر الحشيش، ويمارسون كل ما هو مخالف للمعتقد الديني، ولكنهم يدافعون عن حقهم في السلطة الأبوية باسم الدين، ولو عاشوا صباحا ومساء مخمورين وفاعلين لكل السيئات، هكذا شاهدت ذلك خلال سنوات ماضية.
وهنا يظهر لنا وجه آخر وأسباب أخرى للسلطة الأبوية، أهمها الدفاع عن الوجاهة الاجتماعية الزائفة، حيث إنه كلما شاهدت رب الأسرة عنيفا في تحكمه في حياة زوجته وابنته، ستجده في ذات الوقت شخصية غير مكتملة، ويبحث عن دور اجتماعي زائف يعطيه هيبته ويكمل شخصيته الناقصة.
كما أن هذا العنف يصل لدرجة المنع من العمل والضرب والقهر والختان وحجاب الأطفال والنقاب إلى آخره من أشكال السطوة والسيطرة، وتختلف قرارات وأشكال السلطة الأبوية من محافظة لأخرى ومن الريف للمدينة ومن زمن لزمن.
وخطورة هذه السلطة الأبوية في أنها تكمن كالفيروس داخل الإنسان وتنشط في المجتمعات المحافظة وتنشط أكثر وأكثر، في ظل انتشار تجار الدين وجماعات الإرهاب والسلفيين وجماعة الإخوان.
وبعد أن تخلصنا سياسيا وتنظيميا من هذه الجماعات الدموية التي تعزز السلطة الأبوية وتنشطها، مازلنا في خطر، حيث إن الفيروس كامن والمواطنون الذكوريون يشتاقون لكل أشكال السلطة الدينية والفكر السلفي، الذي يحافظ ويعزز ويقوي نفوذ الذكور في المجتمع ويدعم مكانتهم الاجتماعية الزائفة، ويساعدهم على مقاومة نضال المرأة والأبناء للتحرر من السلطة الأبوية.
وفي ظني لا حل أمامنا لمقاومة عودة جماعة الإخوان والسلفيين وانتشار أفكارهم، إلا من خلال الانتقال لمجتمع صناعي وهذا الأخير يغير من سلوكيات الإنسان ويجعله أكثر إيمانا بمشاركة المرأة وتقسيم العمل والإيمان، بالمساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
كما أن الانتقال لمجتمع الحداثة والتنوير وتحريض العقول على التفكير النقدي والعلمي ومقاومة الرجعية بالفن والمسرح والعلم والفلسفة والمنطق طريقنا للقضاء على العقول الجامدة والسلطة الأبوية، ومن هنا سنضمن الانتقال لمجتمع الحداثة والتخلص من هاجس عودة التنظيم والفكر السلفي والإخواني والإرهابي في أي وقت.
وكلنا نعلم أن استغلال الأزمة الاقتصادية والحروب والصراعات في منطقتنا يعطي لهذه التنظيمات الإرهابية الأمل في العودة، وهو الأمر الذي يجعل سلطة دولة ٣٠ يونيو تحذر وتصيغ سريعا مشروعها الإنتاجي والثقافي، لمقاومة أعداء الوطن والاطمئنان لعدم عودتهم مرة أخرى.
وكلي أمل أن تستوعب السلطة الحالية أن تجديد الخطاب الديني لا يساهم في التخلص من فيروس الفكر الظلامي الكامن في النسيج الفكري لأغلب الأسر المصرية ولكنه جزء بسيط من كل.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً