الجمعة، 22 نوفمبر 2024

05:59 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الدكتور محمد فؤاد يكتب: جشع التجار.. أسطورة لا تموت

الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد

الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد

A A

استوقفتني تصريحات الحكومة المتكررة مع كل أزمة يواجهها السوق بأن جشع التجار هو السبب الرئيسي في زيادة الأسعار، وأن السبيل الأوحد للخروج من دائرة التضخم هو خفض الأسعار بمواجهة هذا العدو الأبدي للحكومة وللمواطن بأي طريقة، حتى وإن كانت تدخل الدولة مباشرة في إجبار التجار على خفض الأسعار.

أعلم أن المواطن العادي قد لا تتعارض تقديراته مع حديث الحكومة خاصة مع ما يواجهه يوميا عند شراء لوازمه، لكن الحقيقة أن فحوى هذا الحديث لا يمكن وصفها إلا بـ«العبث»، وتعكس إما حالة من الجهل بحقيقة الأزمة من قبل الحكومة أو محاولة لتصدير المسئولية على آخرين ليس لهم أي ذنب فيها.

وفي الحالتين.. سواء إن كان التصريح عن علم أو كان عن غير علم، فهناك مصيبة، خاصة وأن مضمون الحديث يتجاهل بشكل واضح السبب الرئيس في زيادة الأسعار وهو السياسات المتبعة ذاتها التي تعزز من مستويات التضخم، لكن يبدو أن الدولة بأسرها تستسهل هذا السبب لما فيه من شعبوية تلقي بالتهمة عن كاهل الحكومة و تدغدغ الشعبويات، بالخلاف التام للحقيقة.

تلك الحقيقة الثابتة في كل الدراسات والأبحاث الأكاديمية المستقرة التي حاول جميع الاقتصاديين التنبيه بها، ومن ذلك ما ذكره الأكاديمي المصري الدكتور محمد سيد عابد في بحثه عن "رد فعل السياسة النقدية والتضخم في ظل الهيمنة المالية في مصر"، وهو في تقديري من أفضل الأبحاث التي تناولت مسألة التضخم بدراسة دقيقة.

جاء في بحثه، أن الاقتصاد المصري يعاني من عجز مرتفع ومستمر في الميزانية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بما أظهر الحاجة إلى تمويل هذا العجز من خلال قيام البنك المركزي بالتمويل النقدي التضخمي أو عن طريق شراء الديون الحكومية، ونتج عن ذلك تراكم الدين العام من مصادر داخلية وخارجية، بما رتب وجود لهيمنة السياسة المالية على السياسة النقدية وزيادة نسب التضخم.

وأكدت النتائج التي خلصت إليها الدراسة البحثية أن أعلى تأثير على المدى الطويل على التضخم قد نتج عن زيادة السحب على المكشوف للحكومة من البنك المركزي المصري كمقياس لهذه الهيمنة المالية، وقدم "عابد" توصياته في ٤ نقاط هامة شملت إعطاء الأولوية للتضخم باعتباره الهدف الأسمى وليس سعر الصرف، وخفض صافي التمويل المقدم من البنك المركزي إلى الحكومة، والسماح بمرونة في سعر الصرف، وأخيرا إزالة كافة أشكال الهيمنة المالية.

أيضا هناك ورقة بحثية هامة أعدها ضياء نور الدين، وهدى العبادي ونادين عبد الرؤوف بعنوان “ديناميكيات التضخم في مصر”، منشورة بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية في ٢٠١٩ وتناولت الأسباب المؤثرة على التضخم في مصر خلال الفترة من يناير ٢٠٠٠ إلى أكتوبر ٢٠١٨.

تناول البحث دراسات متعددة منها البحث الهام لسارجنت ووالاس ونظرية "الحسابات النقدية غير السارة" والتي تبرهن أن الزيادة في عجز الموازنة لا بد أن تكون مصحوبة بتوسع نقدي لتمويل العجز على المدى الطويل، والنتيجة هي ارتفاع التضخم وزيادة في مستوى الأسعار

وتحدث البحث عن فكرة "توقعات التضخم ذاتية التحقق" والتي تعتمد فيها الحكومة على ارتفاع معدل التضخم مما يؤدي إلى تقليص الرصيد الحقيقي للدين العام ووضعه على مسار مستدام،  حيث ينتج عن ذلك ما يعرف بضريبة التضخم التي يتحملها المواطن نتيجة إنفاق الدولة التوسعي.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه على الرغم من أن التضخم كان مدفوعًا جزئيًا بعوامل انتقالية على المدى القصير، مثل سعر الصرف وغيرها من الصدمات، إلا أن التضخم في السنوات الأخيرة يرجع في المقام الأول إلى عوامل هيكلية وعلى رأسها نمو المعروض النقدي المفرط.

أوصت الدراسة بالحاجة الفورية لمعالجة مسألة تحرير الأسعار باستخدام خطة شاملة طويلة المدى، بالإضافة إلى أهمية الحد من نمو الأموال الزائدة في الاقتصاد، وضرورة تخليص النظام من الهيمنة المالية، وتعزيز استقلال البنك المركزي، وتحسين التضخم على المدى الطويل.

حتى أن السردية الحكومية هذه تتعارض مع المستقر تاريخا، ومن ذلك ما قاله رونالد ريجان الرئيس الأربعين للولايات المتحدة في خطابه الشهير للشعب الأمريكي حول الاقتصاد في فبراير 1981، الذي يبدو أنه يتحدث عن واقعنا اليوم بشكل دقيق، حيث أوضح أنه الحكومة طريقتان فقط للحصول على المال غير زيادة الضرائب، أولهما الدخول إلى سوق المال والاقتراض، والتنافس مع مواطنيها ورفع أسعار الفائدة، والثاني طباعة النقود، وهو ما فعتله الحكومة بالضبط.

أشار ريجان إلى أن كلتا الطريقتين تضخمية، وأن الشعب كله ضحية اللغة، فكلمة "التضخم" في حد ذاتها تقودنا إلى التفكير في الأمر على أنه مجرد ارتفاع الأسعار، وبعد ذلك، بطبيعة الحال، نشعر بالاستياء من الشخص الذي يرفع الأسعار، متناسين أنه هو أيضاً ضحية للتضخم، كما أن التضخم لا يقتصر على ارتفاع الأسعار فحسب، بل إنه انخفاض في قيمة أموالنا، وعندما يزداد المعروض النقدي ولكن السلع والخدمات المتاحة للشراء ليست كذلك، يكون لدينا الكثير من الأموال التي تطارد عددًا قليلاً جدًا من السلع وهو تعريف أساسي للتضخم.


و على الرغم من كل ما سبق. تقترف الدولة و القائمون عليها خطيئة "نفاق العوام"  متمسكة فقط بأن جشع التجار هو السبب.. ليس المعروض النقدي المتضخم ولا عجز الموازنة ولا الإنفاق العام المنتفخ!، وهو في تقديري تسطيح مخجل لطبيعة الأزمة يظهرها كما لو أنه متاح حلها بقعدة عرب مع شهبندر التجار أو أكروباتيات مصادرة السلع لبيعها بسعر مخفض!


حتى وإن سلمنا جدلا بـ"الكفر بالعلم" وأن جشع التجار هو السبب، وأن الوضع في مصر يستلزم مفاهيم جديدة في الاقتصاد تستحدثها الحكومة، فالمسئولية أيضا سوف تنتقل إلى الحكومة لا السوق خاصة مع مسئوليتها التامة عن حماية المنافسة ومنع الاحتكار ووجود جهاز حكومي معني بهذا الشأن.

أي أنه في حالة التسليم برواية الحكومة ( الغير حقيقية)، فهناك تقصير منها في شأن تفعيل جهاز المنافسة الذي يرأسه د. محمود ممتاز، بما يستدعي تفعيله بدلا من سياسة محايلة التجار لخفض الأسعار أو تدخل الدولة لاحتكار بعض السلع، لكنه حال تم ذلك فلن تكون هناك تلك الشماعة التي ترمي عليها الحكومة مسئوليتها مع كل أزمة.

ختاما.. فالسبب الرئيس في ارتفاع الأسعار هو سياسات الحكومة التوسعية وكل ما يساعدها على ذلك من عوامل هيكلية يتصدرها المعروض النقدي، والأولى من استعماء المواطنين بالحديث عن جشع التجار أن نطبق حلول على أرض الواقع تنصب على تحقيق انضباط مالي واستعادة وحدة الموازنة واستقلالية البنك المركزي. فما أصعب الحلول و ما أسهل التماهي مع العوام.

الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية ، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.


 

search