الجمعة، 22 نوفمبر 2024

07:09 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الدكتور وليد عتلم يكتب .. الصومال عودًا على ذي بدء

وليد عتلم

وليد عتلم

A A

أعلنت مصر رسميا، وعبر بيان واضح المعاني والصياغات لوزارة الخارجية المصرية رفضها التام لمذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال. والتي تقضي بتأجير الدولة الإثيوبية الحبيسة 20 كيلومترا حول ميناء بربرة على خليج عدن مع إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر لمدة 50 عاما لأغراض بحرية وتجارية. وتصبح إثيوبيا في المقابل أول دولة تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة. إلى جانب منح الصومال حصة غير محددة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة مقابل منحها حق الوصول إلى البحر الأحمر. 

هذا الرفض المصري الرسمي يعقبه تساؤل رئيسي، وهو لماذا ترفض مصر مثل هذا الاتفاق؟؟؟

الإجابة هنا قد لا تحتاج إلى تحليل، لكنها تنطوي على تذكير؛ فمثل هذه الاتفاقية تهدد وحدة الصومال، الذي يعاني بالأساس من أوضاع اقتصادية واجتماعية وأمنية هشة وصعبة؛ جعلت منه نموذجاً للدولة الهشة الفاشلة؛ لا يزال هناك تعثر واضح فيما يتعلق بتأسيس قوى أمنية (جيش – شرطة) وطنية فاعلة، حيث لا يزال أمراء الحرب يتحكمون في مناطق عدة بالصومال؛ إذ يُعزز كل من حركة الشباب المتطرفة وتنظيم داعش الإرهابي – الذى عمل على توسيع نفوذه في الصومال منذ عام 2015 بعدما بدأت قوات حفظ السلام الإفريقية انسحابها على مراحل- حيث انتهت مهامها داخل الأراضي الصومالية عام 2020- لتنتقل مهام حفظ الأمن لقوات الجيش والشرطة الصومالية والتي تحيط بها شكوك قوية حول قدرتها على بسط وضبط الأمن على كافة الأراضي والولايات الخاضعة للحكومة الاتحادية، مرجع تلك الشكوك قلة عددها وضعف تدريبها وتعدد ولاءاتها القبلية، وتراجع روحها المعنوية نتيجة تأخر صرف رواتب أفرادها لعدة شهور مما اضطر بعضهم لبيع أسلحتهم والانضمام لخصومهم فضلًا عن مقتل الكثيرين منهم في عمليات إرهابية وصراعات قبلية بين الولايات الصومالية.

كل هذه المحددات ساهمت في احتلال الصومال للمركزين الأول والثاني منذ عام 2008 وحتى عام 2021 في مؤشر الدول الهشة على النحو الذي جعلها تعتبر بمثابة “كعب أخيل" القاتل، والقابل للانفجار في أي وقت.

تحتل الصومال موقعاً استراتيجياً في القارة الأفريقية لكنه كان وبالا عليها؛ تقع دولة الصومال في شرق القارة الإفريقية، يحدها من الشمال خليج عدن، ومن الجنوب كينيا، ومن الشرق المحيط الهندي، ومن الغرب إثيوبيا، تنبع الأهمية الاستراتيجية للصومال لموقعها المؤثر في القرن الأفريقي، وما يمثله من أهمية استراتيجية؛ حيث يحتل القرن الأفريقي، موقعاً استراتيجياً مؤثراً في منطقة جنوب البحر الأحمر، ويتمتع بخصائص استراتيجية وأهمية جيوبولوتيكية، حيث يمثل القرن الأفريقي أحد أهم معطيات أمن الطاقة العالمي والإقليمي، وذلك لاتصاله المباشر بمضيق باب المندب الشريان الرئيسي  للاقتصاد العالمي؛ وطبقًا لتقرير الطاقة السنوي الصادر عن جامعة كولومبيا عام 2018، فإن إغلاق باب المندب كممر مائي، ولو مؤقتًا، يمكن أن يؤدي إلى زيادات كبيرة في تكاليف الطاقة الإجمالية، وأسعار الطاقة العالمية؛ حيث إن إغلاق باب المندب سيمنع وصول نفط الخليج العربي إلى قناة السويس، أو خط أنابيب سوميد، وتحويلها إلى الطرف الجنوبي من إفريقيا، مما يزيد من وقت العبور وتكلفته، بالإضافة إلى ذلك، لن يعود بالإمكان لتدفقات النفط الأوروبي والجنوبي الإفريقي التوجه إلى الأسواق الآسيوية عبر قناة السويس وباب المندب، وطبقًا للتوقعات الاقتصادية فإن التكاليف الإضافية للنقل البحري سوف تتزايد بمقدار 45 مليون دولار يوميًّا، إضافة إلى الارتفاع في تكاليف الشحن المترتبة على زيادة مسار الناقلات بحوالي 6000 ميل بحري.

وقد شكَّلت الاكتشافات الهيدروكربونية في القرن الإفريقي معطى جديد من معطيات أهميته الاستراتيجية؛ حيث يشكِّل التوسع في التنقيب عن النفط والغاز في منطقة القرن الإفريقي أهمية اقتصادية لدوله، فضلاً عن سيطرتها على مضيق باب المندب، ومنابع نهر النيل، إضافة إلى تمتعها بموارد طبيعية غير مستغلة، ولاسيما البترول والغاز الطبيعي، والذهب، وعديد المعادن. لذا تكتسب منطقة القرن الإفريقي من خلال المحددات السابقة أهمية خاصة للدول الكبرى، ولدول الإقليم وعلى رأسها مصر، سواء كان الحديث عن القرن الإفريقي في سياقه الجيوسياسي الضيق الذي يضم كلًا من: الصومال، جيبوتي، وإريتريا. أو بمعناه الواسع الذي يشمل كلًا من: إثيوبيا، كينيا، والسودان، وأوغندا.

ولما كانت الصومال أهم دول منطقة القرن الإفريقي من حيث الأهمية الاستراتيجية والأمنية؛ غير أنها في الوقت ذاته أكثرها ضعفًا وخطورة.  وبرز الدور الاستراتيجي للصومال عندما تأثرت الكثير من الدول على مستوى العالم من ظاهرة القرصنة التي ظهرت في المنطقة طوال العقد الماضي، والتي جعلت القوى الدولية والإقليمية تنتفض لتزود عن مصالحها الاستراتيجية وحماية طريق التجارة وناقلات النفط، كما برزت الأهمية الاستراتيجية تأثراً بالعنف المسلح بين القبائل والإثنيات في المنطقة، وكذلك الدول، وعنف الجماعات المسلحة في الصومال وغيرها. إذ تمثل الصومال فشلًا واضحًا لنماذج بناء الدولة المفروضة خارجيًا دون مراعاة للطبيعة الاثنية والهوية الوطنية لمكونات الدولة الصومالية، لذلك لا تزال الصومال تُجسد أبرز معايير ومؤشرات الدولة الهشة الضعيفة داخليًا وخارجيًا.


 

في ضوء تلك المعطيات؛ يتضح جلياً أهمية دولة الصومال التي أصبحت تشكل اهتماماً مركزياً في أجندة صانعي السياسات الخارجية لدى القوى الفاعلة والقوى الصاعدة الأخرى، وعليه فقد بدأت القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في العمل على إعادة صياغة منطقة القرن الأفريقي من أجل تحقيق الهيمنة والنفوذ في هذه المنطقة عبر صياغة مفهوم (القرن الأفريقي الكبير) ليعبر عن المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية في مناطق شمال وشرق أفريقيا ومنطقة البحيرات العظمي.

لكن تبقى أهمية الصومال الجيواستراتيجية للعالم، ولمصر على وجه الخصوص، نقطة حساسة، وهي على هذا الضعف والهشاشة تمثل مهددا رئيسا في إقليم يعاني بالأساس من التوتر والاضطراب. يزيد من هذا التوتر وذلك الاضطراب تزايد الطموح البراغماتي الإثيوبي. وعلى رأس هذا الطموح إنهاء كابوس الدولة الحبيسة، وإيجاد موطئ قدم لإثيوبيا على البحر الأحمر، وهو ما عبر عنه بوضوح رئيس الوزراء الإثيوبي مطلع أكتوبر الماضي بقوله : إن وجود إثيوبيا "مرتبط بالبحر الأحمر"، مضيفا أنه "إذا كنا (دول القرن الأفريقي) نعتزم العيش معا في سلام، فعلينا أن نجد طريقة للتشارك المتبادل مع بعضنا البعض بطريقة متوازنة". وهو تجسيد للنهج الإثيوبي البراغماتي القائم على سياسة فرض الواقع دون مراعاة لأية اعتبارات غير الصالح الإثيوبي أولاً وأخيرا. وكأن إثيوبيا تعيش وحدها في القارة الأفريقية. لتتحول إثيوبيا إلى "مخلب قط" للقارة ولدول الجوار.

منطقة القرن الأفريقي بشكل عام، وممرات البحر الأحمر بشكل خاص، مرشحة بقوة لأن تصبح بؤرة صراع جديدة، في ضوء الممارسات الحوثية في استهداف السفن العابرة، على خلفية الحرب في غزة، ومن قبل ذلك كله ارتفاع وتيرة التنافس الدولي في تلك المنطقة الحساسة بالنسبة لأمن الطاقة والتجارة العالمية، لتأتي إثيوبيا لتزيد النار اشتعالاً بمثل هذه الاتفاقية التي واجهت رفضا إقليميا ودولياً.

لذلك حان الوقت أن ينتبه العالم، والمؤسسات الأممية والإقليمية، خاصة الاتحاد الأفريقي، وأن يضع حدا للممارسات الإثيوبية التي تعمل على تأجيج بؤر التوتر بما يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

search