حسين خيري يكتب: مليونا طفل لا يأكلون الشوكولاتة
حسين خيري
يتذوقها لأول مرة برغم أنه يزرع مادتها الخام منذ سنوات, ويكاد الذهول من مذاقها يٌذهب عقله, وتبث شبكة "سي.أن.أن" مشهد المزارع الإفريقي على الهواء, وهو يتناول قطعة شكولاتة من يد أحد مسئولي الشبكة, وبدا عليه جنون الفرح من طعمها اللذيذ, ولا يعلم أنه سبب في صناعتها, ويا ليته يقدر على شراء عبوة صغيرة منها, فأجره في اليوم لا يساوي دولارًا واحدًا, نظير عمل شاق يمتد لـ 14 ساعة تحت درجة حرارة شديدة القسوة.
وتمثل أجرة موحدة لكل مزارعي حبوب الكاكاو, بينما الأرباح السنوية للشركات الكبرى المصنعة للشوكولاتة تتجاوز 100 مليار دولار, وتستخدم آلية العبودية والسخرة في تشغيل مئات الآلاف من الأطفال والبالغين في زراعة وحصد الحبوب, وتحتل دول غرب إفريقيا 70% من إنتاج الكاكاو على مستوى العالم, وغانا وساحل العاج تحصل على نصيب الأسد في زراعة الكاكاو, ويعمل في أنحاء مزارع الكاكاو بالقارة السمراء نحو مليوني طفل, وهذا حسب منظمة العمل الدولية، وتصف مؤسسة السلام العالمية اسلوب تشغيل شركات الشوكولاتة للعاملين فيها بـ "الجانب المظلم".
السعادة تغمر صدور أهل الأرض وهم يأكلون الشوكولاتة, وقالوا إن الشوكولاتة شقيقة السعادة, وذلك لقدرتها على إفراز هرمون السعادة "السيروتونين" في الدم, ومدمنوها ينفقون مئات الدولارات من أجل الحصول على قالب سويسري, غير أن طعم المرارة يمتزج بمذاقها الحلو المنعش, وكأنها مرارة الصراخ من ألم السخرة والضرب المبرح, ومرارة الجوع والمرض من ضآلة الأجر.
وطالما وعدت الشركات الأوروبية والأمريكية العملاقة أهالي القرى السمراء الفقراء بحياة الرفاهية, وكشفت عن عزمها لبناء المدارس لأبنائهم, وتعهدت بتنمية شاملة لبلادهم في القريب العاجل وبتوفير مراكز صحية متقدمة, لكنها وعود تذهب أدراج الرياح, ولا تهدأ من تكرار وعودها الكاذبة, حتى تصرف عنها المنظمات الحقوقية الدولية.
وفي المقابل تطالب حكومات الشركات العابرة للقارات المصنعة للشوكولاتة بوقف الهجرة إلى بلادها, بعدما جرفت أيديها ثروات شعوب هذه الدول, واحتكرت أراضيها, وخلفت وراءها ملايين الأشخاص الذين يعيشون حالة من الفقر المدقع, يحتاج لسنوات طويلة للقضاء عليه بشرط أن ترفع يدها تماما عن ثرواتهم.
ونقر أن الشوكولاتة منتج غذائي نفيس يجلب السعادة والجميع يهفو إليه, ويدخل في صناعة منتجات غذائية متعددة, ولذا حددت هيئة الأمم المتحدة يوما عالميا لها, يوافق اليوم السابع من شهر يوليو من كل عام, ويرجع إلى تاريخ اكتشاف حبوب الكاكاو في إفريقيا.
وتحذر خبراء البيئة من التوسع في زراعتها, وهذا يدفع أصحاب المزارع إلى إزالة مساحات شاسعة من الغابات, أضف إلي احتياجها لكميات كبيرة من المياه لزراعتها, مما يهدد البيئة المحلية بالتصحر وبالمزيد من ارتفاع درجات الحرارة, ولن يستثني سوء المناخ القارة السمراء، إنما سوف يمتد إلى أجواء أوروبا وأمريكا, وشعوب أوروبا تتذمر الآن من شدة الحرارة.
ومن جهة أخري تستغل مافيا تجار الرقيق احتياج أصحاب مزارع الكاكاو والشركات للأطفال, وتمارس عمليات خطفهم في مقابل 34 دولارًا للطفل الواحد, والقاعدة الأخلاقية تقول أي أمر توطد على الفساد لابد أن تطول ناره جميع أطراف القائمين عليه.
نقلًا عن صحيفة الأهرام
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً