الجمعة، 22 نوفمبر 2024

03:23 م

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

محمد رزق يكتب: الوقت مناسب لانطلاقة صناعية إذا..

م. محمد رزق

م. محمد رزق

A A

نظرة متشائمة نجحت في فرضها آلة "الشؤم" الإخوانية على مواقع التواصل الاجتماعي، وللأسف تسربت هذه النظرة لقطاع واسع من الرأي العام في الداخل فقط، المصريين في الخارج يرون المشهد أكثر تفاؤلاً، لأنهم يرون المشهد من زاوية أكبر، لم يتأثروا بحملات التدشين والتخويف من الغد، والشائعات التي يروج لها المتربصون بأن العام المقبل سيكون أكثر صعوبة وركوداً، على عكس كل المؤشرات التي يراها المنصفين والمؤسسات العالمية، ممن لم يسقطوا فريسة أمام آلة الرعب عن عمد، لفرض حالة ركود إجباري، تحت ضغط عدم جدوى الاستثمار الداخلي وضخ أموال لزيادة الإنتاج، علما بأن الوقت أصبح مواتياً لذلك، ولتحقيق هذا يجب وضع بعض الحقائق في الاعتبار، بجانب إجراءات حكومية أصبحت حتمية الآن لتحقيق أكبر فائدة ممكن في هذا الظرف.

الحقيقة الأولى، البنية التحية المصرية في السنوات الأخيرة أصبحت قادرة بالفعل على استيعاب أكبر عدد من المشروعات في أغلب المجالات، خاصة في مجال نقل المنتجات إلى الموانئ في أسرع وقت وبأقل تكلفة، وهو ما لم يكن متوفراً من قبل.

الحقيقة الثانية الدولة أصبحت تعطي للتصدير تسهيلات أكبر، وتراجعت خطوات عن فكرة احتكار السلع للسوق المحلي، وهو ما تسبب فى بعض الأحيان لبيع المنتجات بأسعارغير حقيقية، كانت سبباً في سهولة إهدارها، وكان الخاسر الأكبر في هذه العملية المنتج أو المزارع، يكفي مثالاً واحداً وهو أن بعض المزارعين اضطروا لبيع محصول البطاطس بسعر واحد جنيه للكيلو لتجار الجملة وبعضهم ترك المحصول بعد حصاده على الطرق واستغنى عنه، لأنه لن يجازي تكلفة تحميله، وكانت تباع البطاطس للمستهلك بـ3 جنيهات للكيلو، وهي خسائر، كان يمكن تفاديها لو كان لدينا سياسة تصديرية مرنة، لتصدير الفائض مسبقاً قبل جمعه.

أما الحقيقة الثالثة ،الاقتصاد المصري أصبح مرناً ونجح في تجربة صد تداعيات الأحداث العالمية منذ عام 2019 وحتى اليوم، والتي بدأت بجائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وظاهرة التغيرات المناخية ، وارتفاع أسعار النفط عالميا ومؤخرا أحداث غزة التى من المؤكد أنها سوف تؤثر على قطاع السياحة فى منطقة الشروق الأوسط وليس مصر فقط .

الحقيقة الرابعة، الدولة أصبح لديها سياسة تحفيزية للمصنعين المحليين، أو من يرغب في إنشاء مشروع صناعي، ووضعت تسهيلات لم تشهدها مصر من قبل أيضاً، ولكن لتحقيق هذا الهدف وهو دفع التصنيع المحلي، يجب أن تحكمه عدة اعتبارات:

أولها دعم الصناعات التصديرية كمنتجات الجلود والأثاث والملابس والأقمشة، والصناعات البلاستيكية لتقليل فاتورة الاستيراد.
ثاني هذه الاعتبارات دعم ودفع الصناعات الصغيرة، لمنافسة المستورد منها، مثل بعض قطع غيار السيارات، والملابس والأحذية، وأدوات الطعام، والتجهيزات، والتي لا تحتاج إلا لأماكن صغيرة، وعمالة متوسطة الإمكانيات، وهي متوفرة فعلياً في السوق المصري، ولعل توافر هذه العمالة كان سببًأ مهماً لإنجاح مشرعات الصناعات الصغيرة، التي تعثرت في فترة الثمانينات والتسعينات، وهي فترة شهدت نجاحاً للمشروعات الصغيرة في مجال صناعة الجلود والبلاستيكات والأحذية، كان يمكن البناء عليها إذا أحسنت الدولة وقتذاك استغلال هذا التوسع، لكن ما حدث كان عكس ذلك، وفتحت الدولة أبوابها لمنتجات رديئة بأسعار لا يمكن منافستها، تسببت في إغلاق آلاف الورش، هي في الحقيقة مصانع صغيرة وبسيطة، قامت عليها اقتصاديات بعض الدول، وكان يسهل البناء عليها وتطويرها ولو تم ذلك لحققنا مكانة متميزة في قطاع الصناعات الصغيرة .


لكن كيف يمكن دعم هذه الصناعات، أو ما هي هذه الصناعات، التي ترى الدولة أن لها ميزة نسبية فيها؟ أقول أن الدولة أي دولة يجب أن يكون لديها هدف استراتيجي تسعى لتحقيقه، وهو أن تكون مثلاً أكبر المصدرين للمنتجات الجلدية، أوصناعة الأثاث، ولتحقيق هذا الهدف، تضع الدولة التكتيك المناسب، وهو طريقة الوصل لهذا الهدف الاستراتيجي، كالتوسع في أقسام صناعة الجلود والأثاث في المدارس، وتسهيل الحصول على القروض الخاصة بهذه المشروعات، وأن تتبني الدولة تسويق هذه المنتجات، سواء في الداخل أو الخارج، وغيرها من الإجراءات التي تمكن قطاع أوسع من الشعب في الاستثمار في هذه الصناعات، هذا التوسع والمنافسة في السوق كفيل بالوصول لنتيجة إيجابية حتمية 


ملحوظة: في العام 2012 الذي حكمت فيه جماعة الإخوان مصر، كانت صناعة الجلود في مصر من أكبر مجالات التصدير لأوروبا، فهي صناعة مصرية عتيقة، اكتسبت سمعة عالمية لدراية المصنعين الصغار بما يريده المستهلك الأوروبي، منتجات جلدية لا تدخل في صناعتها مواد كيميائية محددة، ولكن ما حدث أن الرئيس الإخوانى، صدق على قرار يسمح باستخدام هذه المواد الكيميائية في صناعة الجلود باعتبارها أسرع في الإنتاج، وهو ما تسبب في وقف أغلب دول أوروبا خاصة ألمانيا استيراد المنتجات الجلدية من مصر، وأرى أنه حان الوقت لإعادة السمعة الجيدة لمنتجات الجلود المصرية. 
لذلك على الدولة استغلال فرصة انخفاض سعر العملة المحلية، في تشجيع الاقتراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما حاولت الدولة خلال السنوات العشرة الأخيرة في تفعيله، لكنها لم تحقق الهدف منه، ولكن أقول أن الخطوة الأولى لنجاح المشروعات الصغيرة هو أن تقرر الدولة أن تستثمر أموالها، فقد تجاوزت ودائع البنوك أكثر من 4 ترليونات جنيه، وهي أموال سائلة، يجب ضخها مرة أخرى في صورة ماكينات ومواد خام، أو حتى وحدات صناعية صغيرة، يكون القرض المقدم من البنك عبارة عن أداة للإنتاج وليس أوراق بنكنوت، ولتحقيق هذا الهدف، كما قلت، يجب ألا تنتظر الدولة سداد قيمتها كاملة، أو على الأقل في السنوات الأولى.
وأخيراً .. لكي تحقق الدولة هذه الاستراتيجية يجب عليها تسهيل الحصول على هذه القروض، ولن يحدث هذا إلا بتوحيد كل الجهات والبنوك صاحبة مبادرات تمويل المشروعات الصغيرة في جهة واحدة وإدارة واحدة، تحت مظلة استراتيجية محددة مسبقاً، وأرى أن الوقت الآن وليس غداً مناسباً للتنفيذ، والسوق المصري متعطشاً لآلاف المنتجات التي ارتفعت أسعار المستورد منها عشرات الأضعاف، لذلك فالوقت أصبح مناسبًا للانطلاق.

search