فتاة من القدس المحتلة
ماجدة ابراهيم
ماجدة إبراهيم
تجذب شريطتها الحمراء لتطلق لشعرها العنان فهي لا تشعر بالحرية إلا إذا تحررت من كل قيودها الصغيرة ..
تقفز قفزات متتالية قريبة من الأرض وتصرخ بفرحة سنعود غداً الى الوطن ..
تقبل على أخيها الصغير الذي يلهو بلعبته وتحتضنه برقه وحنيه .. وتقول له .. سنعود غدا الى وطننا
أخيرا سأرى كل أصحابى وعائلتى .. أعمامى وعماتى .. أخوالى وخالاتى .. جدتى وهى تفترش الخضرة على أريكتها وبجوارها شجرة الزيتون الضخمة تظلل عليها بوريقاتها الخصبة وتلقى ما تلقيه فى حجرها
دقات جرس الباب ترقص فرحا مثلى تمام .. تجرى بكل براءتها لتفتح الباب أنه أبى يا أمى لقد عاد .. لكنه ..لكنه
مالك يا أبى مطأطىء الجبين .. باهت الصوت .. تحدث معى
قل لى مابك ؟
جريت على أمى أحثها لكى تأتى لتتلقى حزن أبى ..
لتنفض عنه الهموم التى بدت لى كجبال الجليد لا نرى سوى قمتها ..
يتكأ أبى على ذراع أمى يبدو حزينا أو ربما متعبا .. يدخلا سويا الى حجرتهما ويغلقا الباب ..
لا أسمع سوى همسا ودموع صرخات، ونهنهات متشنجه .. أسقط من شدة تأثري بالتأكيد حدث أمر جلل ..أو ربما يكون الأمر مرتبطا بعودتنا الى الوطن ..
لا أستطيع تصور أن يكون هناك أى تغيير فى خطتنا .. لن أستطيع استيعاب الموقف فقد حلمت بالعودة الى الوطن شهور وليالى وأيام متتالية ..
لقد أتصلت بكل من يعرفنى وأبلغته عن يوم عودتى .. الجميع فى إنتظارى
يفتح باب حجرة أبى وتخرج أمى محمرة العينين شاحبة الملامح تزوغ عينيها عن ملاحقة عينى لها .. تدخل المطبخ تستكمل أنينها الذى يصل الى ضلوعى يكسرها ويدفع عزيمتى من التماسك الى الانهيار .. اندفع تجاهها وأشدها من يدها حتى تنظر لى ..
تحاول أن تدارى دموعها التى فاضت لتغرق وجهها وتذيب ملامحها البشوشة
أسألها بحزم ماذا حدث يا أمى ؟
هل تغيرت خطتنا ؟ لماذا تأجل موعد عودتنا للوطن ؟
تنظر أمى بذهول كيف وصل عقلى الصغير الى هذا الاستنتاج ؟
أرجوكى يا أمى ردى على ..
أمسكت أمى بى ورتبت على شعرى المنطلق بعشوائية وبحنان بليغ طبعت قبله ساخنه بسخونة دموعها الوجله على جبهتى
لا تقلقى يا صغيرتى سنعود الى بلادنا مهما كلفنا الأمر
لا أدرى ماذا حدث لى لكن رأسى طاف بى كل الدنيا وعينى لم تعد ترى ملامح الأشياء فسقطت مغشيا على ..
وعندما أفقت وجدت كل من فى البيت بجوارى وقطرات من ندى أبيض تكلل عينى أمى وأبتسامه وردية تحتل خديها وصوت أبى الحنون يأتينى بعزيمة لا تقهر : يا بنيتى استعيدى حيويتك فسفرنا سيكون غداً الى الوطن
فجأة سرت فى أوصالى شرارة وشحنة من الحيوية ضاع معها كل إحساس بالخزي والقهر وانفرجت مشاعرى لتتسع لكل العالم ..
فكم يصبح شعور النشوى بالنصر وتحقيق الأمنيات جميلا رائعا .. وما شعرت به من قبل كان قاتلا بغيضا ..
جهزت نفسى وأمسكت يدى أمى وقبلت أبى قبلة الإمتنان .. وشاركت الجميع فى مداعبة أخى الذى يقبع فى عربته المتحركة بعجلات صغيرة كلنا فى طريقنا إلى المطار
وقفنا فى طابور الجوازات وإذا برجل ليس بطويل ولا قصير يرتدى زي شرطى يأتى ليحدث أبى وينصاع أبى اليه ويخرج من الصف وكلنا فعلنا مثلما فعل أبى انزوينا فى ركن بعيد منتظرين أن يعود أبى الينا فنعود الى صف المسافرين .. ما هى الا دقائق ووجدت صوت إحدى المضيفات ينطلق فى الميكرفون لقد تم الغاء رحلة عودتنا الى الوطن فالحرب قد بدأت فى غزة ، لم أفهم ورأيت أمى تبكى بحرقة ويعود أبى يجر أذيال الخيبة وتساءلت لماذا يحدث ذلك فى بلادى ..
وجاء رد أمى بسيطا لكنه كان قاسيا عندما فهمته لأننا نسكن فى القدس المحتلة ، وغزة جزء من بلادنا .
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً