السبت، 05 أكتوبر 2024

09:14 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

القضية الفلسطينية.. أزمة إنسانية وسيناريوهات محتملة

 مونيكا وليم

مونيكا وليم

مونيكا وليم

A A

اكتسبت الوساطة المصرية في جهود التهدئة بغزة اهتماماً كبيراً، حيث طرحت المرجعيات الرئيسية الحاكمة لبحث تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية والوصول إلي رؤية توافقية دولية، ومناقشة جذور الصراع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والدفع نحو تفعيل عملية السلام في الِشرق الأوسط للشروع في تسوية عاجلة وشاملة للصراع الممتد. 

وتوافق ذلك مع موقف مصر التاريخي من الصراع في الشرق الأوسط، حيث تم التأكيد على ضرورة أن يُقدم الفلسطينيون والإسرائيليون على حل القضايا الإشكالية معا، مع ضرورة عدم القيام بأي خطوات ترمي إلى تهجير الفلسطينيين من منازلهم وهو ما أكده الرئيس السيسي ومن جهة أخرى لم تحاول إسرائيل المساس بمعاهدة السلام المبرمة مع مصر ناهيك أن إسرائيل بمنأى حاليا عن فنح جبهة خلاف مباشر مع مصر. 

إلا أنه لايزال التصعيد الإسرائيلي علي أشده بغزة، حيث يطرح الاجتياح البري في قطاع غزة العديد من التساؤلات التي تتعلق بماذا يعني هذا الاجتياح في هذا التوقيت، وما هو نطاق الحرب الدائرة واحتمالية انخراط أطراف إقليمية أخرى في الصراع وبالمدى الزمني المتوقع لاستمرارها، ومدى توافر إمكانية حقيقية لمنع التصعيد الإسرائيلي إلى حد الاجتياح الكامل للقطاع.

لذا، سيتم التركيز في هذا المقال على تبعات الاحتياج البري لغزة، ونطاق الحرب خاصة فيما يتعلق بتوازنات القوة وتعاطي الفاعليين الأساسيين مع قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، فيما يتناول القسم الأخير التوقعات والسيناريوهات المحتملة المتعلقة بالمدي الزمني للصراع الدائر. 

إن الاجتياح البري يهدف إلى تدمير البنية التحتية بالكامل الخاصة بالمقاومة الفلسطينية التي تملك العديد من الأماكن السرية أو الأنفاق التي فشلت إسرائيل في الوصول إليها حتى تلك اللحظة، أو على الأقل لإجراء عملية اختراق محدود لإحداث خلل في قوام حركات المقاومة، خلال تنفيذ عمليات اغتيال متواصلة لقادتها، وقد قام الجانب إسرائيلي بعمليتي اجتياح بري من قبل ففي، عامي 2014 وأيضا 2018، تكبدت كتائب المشاة الإسرائيلية خسائر فادحة بسبب الألغام المضادة للدبابات والقناصة والكمائن. 

 والسيناريو الأصعب في هذا الإطار هو اتساع بقعة الصراع واشتعال نقاط الاشتباك في عدد من البؤر الملتهبة، وهو ما ينقلنا للإجابة عن التساؤل الثاني المتعلق بنطاق الحرب؟ 

فمن حيث نطاق الحرب، لا يمكن القول إن الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية لم تتسع فعلياً، حيث إن تحركات حزب الله في لبنان، وبعض المنظمات الفلسطينية في سوريا، كانت تنًذر بأن فتح جبهات القتال في الشمال يمكن أن يتسبب في نشوب حرب شاملة، على عدة جبهات بين إسرائيل وخصومها المدعومين من إيران.     

ويمكن تعليل توسع نطاق الحرب كاحتمال قائم في إطار لعبة شد الأطراف ضمن مثلث أضلاعه إيران، وحزب الله، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي. فقد نجحت إيران في بناء هذا المثلث وجعله الركيزة الأساسية لقوة ردعها في المنطقة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.

وبالتالي تدرك طهران جيداً أن انهيار ضلع من أضلاع هذا المثلث، يعني تقويض المنظومة بأكملها، وبالتالي لا يمكنها عدم التصدي لإمكانية نجاح إسرائيل في تصفية حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة سواءً بقوتها الذاتية أم بقرار دولي.

ومع ذلك، لن تبادر إيران بشن حرب على إسرائيل، لأسباب عدة، أولها رغبتها في عدم الاشتباك المباشر مع إسرائيل، والاستعاضة عن ذلك عبر دفعها حزب الله لفتح الجبهة الشمالية من لبنان وسوريا، إلي جانب ذلك يعد دخول إيران الحرب عملاً غير مشروع من ناحية القانون الدولي، حيث إنه إذا كانت هناك شرعية ما لحركتي حماس والجهاد الإسلامي لقتال إسرائيل كونها تحتل أجزاءً من الأراضي الفلسطينية، فإن إقدام إيران على توجيه ضربات ضد إسرائيل من داخل أراضيها سيعني أنها أعلنت الحرب دون مبرر مقبول. 

ومن جهة أخرى، فأن وجود الأساطيل الأمريكية أمام السواحل الإسرائيلية، والذي يعني أن الولايات المتحدة، قد تعهدت بحماية أمن إسرائيل، يمكن أن ترد على أي هجمات من جانب إيران ضد تل أبيب، بتشغيل منظومات الصواريخ المُضادة لإسقاط الصواريخ الإيرانية قبل وصولها إلى الأراضي الإسرائيلية، أو تدمير القطع البحرية الإيرانية الموجودة في الخليج العربي أو من خلال تدًخل قوات حلف "الناتو" الحرب ضد إيران، وفقاً لميثاق الحلف الذي يُلزم أعضاءه بالدفاع عن أي عضو يتعرض لهجوم عسكري.

وبالتالي فالسيناريوهات المتاحة أمام إيران إما شنّ ضربات مكثّفة من الجبهة الشمالية اللبنانية لقصف قوات عسكرية إسرائيلية، وإما السيناريو الثاني، المتوقّع حدوثه، والمتمثل في قيام جميع أذرع إيران في الجبهة الشمالية والقوات الموالية لها، بتخطّي الحدود لتنفيذ مهام في إطار حرب عصابات ضد القوات الإسرائيلية، وذلك من أجل تخفيف الضغط على الفصائل الفلسطينية وتشتيت القوات الإسرائيلية في غزة. 

وعند محاولة قراءة المشهد الدولي وقياس ردود الأفعال العالمية، يتبين أن الموقف الأمريكي له حسابات متعددة ومتداخلة فيما يخص طبيعة الملف، حيث إن اجتياح قطاع غزة يزيد بشكل كبير من احتمالات اندلاع حرب إقليمية. وفي حال امتدّت رقعة الصراع، من المرجّح أن تشمل أيضًا استهداف القوات والمصالح الأميركية في مختلف الشرق الأوسط. 

فعلى الرغم من عدم رغبة الولايات المتحدة في التدخل بشكل مباشر في هذه الحرب لاسيما في ظل وجود الجبهة الأوكرانية، إضافة إلى الانشغال بدخول الصين على مربعات استراتيجية كانت ضمن النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وأفريقيا، ناهيك عن الأوضاع بالداخل الأمريكي واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

إلا أن الانخراط الأميركي في الحرب الدائرة في غزة قد اتخذ عدة مناحي، منها إرسال جنرال من مشاة البحرية الأميركية وعدد من الضباط العسكريين الأميركيين، في شرق البحر المتوسط، إلي جانب إرسال بطارية دفاع جوى على ارتفاعات عالية (ثاد) ؛ وذلك لردع إيران وحلفائها سوريا وحزب الله من فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل. 

وكذا تصاعد المخاوف الامريكية من الغزو البري لغزة، ففي بادئ الأمر سعت إلي كسب الوقت لإجراء مفاوضات بشأن الرهائن والسماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين، كما أن حكومة الحرب التي تم تشكيلها في إسرائيل هي حكومة ضعيفة، ولذلك تم دعمها برئيس الأركان السابق ووزير الدفاع السابق، والعديد من القيادات الأمنية السابقة، علاوة على ذلك فهي حكومة ليس لديها الخبرة الكافية لإدارة الحرب الحالية، خاصة أنها تدور في مناطق حضرية آهلة بالسكان.

وفي الوقت نفسه إن حضور الرئيس بايدن وأوستن اجتماعات حكومة الحرب ليس فقط تعبيرًا عن دعم إسرائيل بل لأن هذه الحكومة فقدت الاتزان وقد تتخذ قرارات خطيرة، لذلك تريد واشنطن تقييمها وفق التقديرات الأمريكية، لاسيما مع حرص الإدارة الأمريكية على عدم اتساع الصراع في ظل محاولات إشعال الجبهات العراقية والسورية واللبنانية. 

وفيما يخص بالمدي الزمني، وبافتراض استمرار معارك الحرب الحالية مُقتصرة في أغلبها على المواجهات بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين، يبقى التصعيد بين الجانبين مُحتملاً، ما يعني أن الأفق الزمني لنهاية الحرب لا يمكن تحديده فقد تستمر الحرب بضعة أسابيع، وذلك قياسا على بعض الحروب الإسرائيلية السابقة على غزة ولبنان، ففي عام 2014 استمرت حرب الاحتلال على القطاع 50 يوما، في حين استمرت حربه على لبنان في عام 2006 نحو 34 يوما.

ومع ذلك، ستحاول إسرائيل تقليص المدى الزمني للحرب لعدة أسباب أبرزها، ضغط الرأي العام الإسرائيلي على نتنياهو وحكومته لتقصير أمد الحرب، وأيضا تخفيف الضغوط الدولية الواقعة على إسرائيل للسماح بتمرير المساعدات الغذائية والطبية للمدنيين في قطاع غزة، حيث تدرك تل أبيب أن استجابتها لهذا المطلب ستمنح حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفرصة لإطالة زمن الحرب.

أيضا عدم رغبتها فى إطالة زمن الإبقاء على الحشد الهائل من قوات الاحتياط الذين تم استدعاؤهم منذ بداية الحرب واضطرارهم لترك وظائفهم في مجالات التكنولوجيا والاتصالات وأسواق المال والاستثمار والالتحاق بوحداتهم العسكرية، وهو ما سيؤدى لاضطراب كبير في الناتج المحلي لإسرائيل؛ حيث تشير التقديرات إلي إن التصعيد الحالي في غزة، سيختبر مرونة الاقتصاد الإسرائيلي. 

وبالتالي ستستعي الحكومة الإسرائيلية إلي تجنب التبعات الاقتصادية المحتملة في ظل الوضع الراهن التي تشير إلى تأثيرات ملموسة على الأقل حتى الربع القادم، والتي عبرت عنها مؤشرات الأسهم في بداية الأحداث وكذلك الشيكل الذي بلغ أدنى مستوى له منذ 2015، علاوة على وضع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية لإسرائيل "A+" تحت المراقبة السلبية. 

ختاماً، إن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها من الحروب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والمنطقة، فهذه المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل الحرب رسميا منذ نصف قرن إلا انها ستحاول تقصير المدى الزمني للحرب بتنفيذ عملية اجتياح شمال غزة، على أمل أن يؤدى ذلك إلى انخفاض الروح المعنوية لقوات حماس والجهاد الإسلامي، مما يدفعهما إلى إبداء استعدادهما لوقف إطلاق الصواريخ تجاه المدن الإسرائيلية، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين دون اتفاق لتبادل الأسرى. من جانبها، ستطلب إسرائيل ترحيل مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي إلى خارج القطاع، مقابل وقف الحرب نهائياً، كما قد تطالب بوضع القطاع تحت إدارة دولية تتولى التأكد من عدم وجود تهديدات عسكرية لإسرائيل في المستقبل.

search