الأربعاء، 01 يناير 2025

11:41 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

tru

أحمد محمد توفيق يكتب .. متى يُلقي سحرة الإعلام عصيهم؟

أحمد محمد توفيق

أحمد محمد توفيق

أحمد محمد توفيق

A A

اندهشت لبعض الأصوات التي تسلحت بالامتعاض في مواجهة توجيه رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أحمد المسلماني، مؤخراً، بحظر استضافة العرافين والمُنجمين في وسائل الإعلام المختلفة، بزعم تعارض ذلك مع "صناعة الترفيه" كأحد المضامين الرئيسية للإعلام الحديث.

وقد صادف هذا التوجيه التوقيت الذي يقترن به ظهور فئة العرافين والمُنجمين في البرامج الحوارية ذائعة الصيت، وهو اقتراب ليلة "رأس السنة"، النقطة الفاصلة بين عام فات وعام آت، والتي تُمثل المناسبة السنوية لتواجد هذه الفئة المثيرة للجدل، واستعراض مهاراتها في التنجيم والتنبؤ بما يمكن أن يشهده العام الجديد من أحداث سعيدة ومؤلمة على مختلف الأصعدة، بعباراتٍ ترتبط بحركة الأبراج، ومُراقبة النجوم، والتي اعتبرتها "الوطنية للإعلام" ضرباً من الدجل.

وإذا كانت "الوطنية للإعلام" قد رأت في ظهور هذه الفئة وتنجيمها ممارسة لتغييب الوعي لدى الجمهور، ونشر الخرافات التي لا تستند إلى أساس علمي، فإن مناهضي هذه النظرة، وهم في معظمهم من صناع الإعلام، إنما يُدركون حجم التفاعل الذي تحظى به فقرة استضافة العرافين والمُنجمين في البرامج، حيث تجذب نسب مشاهدة عالية من الساهرين ليلة رأس السنة، ناهيك عن تسارع المواقع الإلكترونية في نشر بعض تنبؤات العرافين الصادمة، وتداولها بشكل مكثف، بعناوين مُثيرة، خاصة التي ترتبط بأحداث تخص أسماء رنانة في مجالات السياسة والفن.

ولم يتوقف الأمر عند العرافين، فقد أثارت القرارات الصادرة أيضاً عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بقيادة خالد عبد العزيز، مثل هذا الزخم، بشقيها، الأول فيما يتعلق بتنظيم بث البرامج الدينية، والتي تستهدف في واقع الأمر عدم المساس بروحانية تلك البرامج، من خلال ضبط مداخلات الجمهور، ومنع الإعلانات خلال البث، وتحديد مدة البرنامج، بالإضافة إلى حوكمة بث البرامج الرياضية، سعياً لنزع فتيل التعصب الكروي، بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي، وهي الأكثر إثارة للجدل الكروي، ويعتبرها البعض  طعناً مباشراً في النزاهة التحكيمية، مع منع استمرار أي برنامج رياضي بعد منتصف الليل، كي لا يتحول لمحاولة لـ "ملأ الهواء" بلا هدف.

ولست أعارض هدف "الترفيه" كأحد مضامين الإعلام، فكلنا نحتاج بعد ضغوط الحياة والعمل إلى ساعاتٍ من تفريغ العقول من إطار الجدية السقيم الذي يحيط بوتيرة حياتنا اليومية، ومن ثم نبحث عن أوجه الترفيه عبر وسائل الإعلام المتنوعة، من سهرة فنية، أو فيلم كوميدي، أو أمسية غنائية، أو مسرحية ضاحكة، ولكني أرى ضرورة ألا يمر ذلك دون وجود معايير وضابط، حيث لا أتفق مع استضافة البرامج لشخوص مثيرة للجدل، من أجل "الريتش" اللعين، أو جذب المشاهد بخرافات العرافين التي لا أعارضها لأنها ضد العقل والمنطق فحسب، ولكن لكون بعض التنبؤات تثير المخاوف والفزع من المستقبل، في وقت نحتاج فيه للتسلح بالأمل، فنحن نحتاج لأن يعود محتوى "التليفزيون" خصيصاً لمادة تجمع العائلة دون مخاوف.  

ربما ليس دجالي مجال العرافة والتنجيم من يحتاجون فقط إلى حظر من الظهور الإعلامي، فهناك الكثير من الدجالين في مجالات شتى، يجب إعادة النظر في تصديرهم للرأي العام، بين خبراء سياسة واقتصاد واستراتيجية واجتماع ورياضة وفن، وربما دين، يتولون تغذية العقول بأفكار غير مدروسة، والتحليل دون دراسة أو قراءة أو فهم، بل بعبارات فارغة مطاطة تشبه كثيراً ما يقولوه العرافين في وقت كهذا؛ من أن اقتران عطارد وبلوتو يشير إلى أن عام 2025 سيكون صعباً، وبإذن الله يكون العام الجديد عام خير وأمان، فقد "كذب المنجمون ولو صدقوا".

قرارات الهيئات الإعلامية الوطنية لتنظيم وضبط المحتوى إيجابية وتستحق الدعم وأولوية التطبيق فوراً، ولكن حدودها تقتصر على الإعلام المصري، ليظل فضاء الإعلام الخاص دون ضابط، والذي أتمنى من صانعيه الانتباه إلى مسئولية المحتوى، حتى وإن كان بهدف "الترفيه.

search