الدكتور محمد رزق يكتب.. الناس بالناس
الدكتور محمد رزق وأيمن عباس
الصورة الذهنية لدى الأغلبية من المصريين، عن مؤسسات المجتمع المدني، أنها منظمات تقدم دعمًا عينيًا لقطاعات وأشخاص بعينها، وفي مناسبات محدودة، لا تتعدى فكرة الصدقة أو قيمة الزكاة، ولكن ما لا يدركه كثيرون أن هذه المنظمات في كل دول العالم لها دور اجتماعي منافس للدور الحكومي والقطاع الخاص على حد سواء، فهي فقط القادرة على الوصول لفئات لا تستطيع الدولة أو القطاع الخاص أو المتبرعون وأهل الخير الوصول إليهم.
وأكبر مثال على ذلك، هو مستشفى الناس، والتي اعترف أنها غيرت كثيرًا في انطباعي عن خدمات القطاع الطبي القائم على التبرعات والجهود الذاتية في مصر، وفي ذهني شكوى وزير الصحة من أن 60% من خريجي كلية الطب كل عام يتجهون للعمل بالخارج ودول الخليج، وهو ما يعكس الشكوى المتكررة من الخدمات الطبية في مصر، لكن للوهلة الأولى التي وطأت قدماي فيها مستشفى الناس الخيري زالت النظرة السوداء لهذا القطاع، ووجدت نفسي أمام مؤسسة وليس مستشفى، تقدم خدماتها قبل دخولك إليها، فالاستقبال يوحي أنك أمام طاقم عمل محترف، قادر على إنجاز مهمته في حسن الاستقبال والانتقال بك للمرحلة التالية بسهولة وسرعة، تجعلك تسلم لهم إرادتك طواعية.
وطوال جولتي التفقدية لمستشفى الناس، وجدت نفسي أمام صرح طبي عملاق فاق في تأسيسه أكبر وأشهر المستشفيات العالمية، ليس من حيث المباني والأجهزة، بل أيضًا أمام أطقم طبية محترفة، تُجري أعقد العمليات الجراحية داخل هذا الصرح، وهنا لابد أن نتوقف للحظات لنتأمل عظمة وقدرة وتطور الكوادر البشرية المصرية في مجال الطب والهندسة الطبية، والذي جعلهم قبلة الدول العظمى التي تبحث عنهم بشراهة لدعم الكوادر الطبية، وأصبح الطبيب المصري في أوروبا ودول الخليج علامة الجودة ورمزًا للمواصفات القياسية العالمية، ليُعيد إلى ذهني شكوى وزير الصحة من هجرة الأطباء.
ولكن اللافت أكثر للنظر هو روح التعاون والمحبة بين الأطقم الطبية والإداريين والعاملين، فمن يعمل على صنع الخير ينعكس ذلك على روحه وأدائه، والاهتمام بأدق التفاصيل، وإنك لتنبهر بمستوى النظافة، وتخصيص أطقم خياطة وكي لكل المفروشات داخل المستشفى، حتى إنك لن تجد ملاحظة واحدة على مستوى النظافة والترتيب، بل أن الأمر داخل أروقة المستشفى يشبه الفنادق السبع نجوم وليس المشافي العالمية فقط.
ومن المستغرب أن تجد مثل هذه المستشفيات التي تقوم على التبرعات والجهود الذاتية، بمثل تلك الإدارة أو التنظيم أو الخدمة، فهناك دائمًا انطباع سلبي عن تلك المنظومات الخيرية بأنها لا تقدم الأفضل، ولكن على العكس في مستشفى الناس، سيتحول هذا الانطباع للإيجاب، بل ويفوق التوقعات، وثقة المواطنين فيها تكاد تصل عنان السماء.
وأشهد أن مستشفى الناس يتفوق على كثير من مثيلاته في أوروبا وأمريكا، وهي شهادة حق رأيتها بعيني من خلال أسفاري ورحلاتي المتكررة، وأحزن كلما تذكرت حملات خرجت من مصر تدعو لعدم التبرع لهذه المؤسسات، وتكيل لها اتهامات بالفساد وقلة الضمير، وهو ما لم ثبت عكسه تمامًا، وبعدما رأيت العشرات من المصريين من كل الطبقات والمحافظات يتعاملون بنفس الاستقبال وتقديم الخدمة دون النظر إلى أية اعتبارات أخرى، سوى أنه مواطن يطلب خدمة العلاج.
رسالتي إلى كل المصريين، دعونا نتعاون ونتكاتف على نشر مثل هذه النماذج المضيئة في كل ربوع مصر، فمن ينشر بذرة الخير يحصده أملًا ونجاحًا، ومن ينشر بذور الشر يحصده ندمًا وخيبة، ولنرفع شعار مستشفى الناس لكل الناس حقًا.
إن فعل الخير هو أقل ما يمكن أن نقدمه لمصر ولهذا الشعب، فمثل هذا النموذج من العمل التطوعي، يستحق أن نقدم له الدعم ليمضي قدمًا لتقديم أفضل الخدمات لفئات يصعب الوصول إليها، ولنغير نظرة المجتمع عن العمل الأهلي والتطوعي لأنهم يستحقون.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً