الجمعة، 22 نوفمبر 2024

11:42 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

دينا شرف الدين تكتب.. لمحات من مصر على مر العصور (مصر القبطية)

دينا شرف الدين

دينا شرف الدين

A A

تاريخ مصر القبطية هو مرحلة مهمة من مراحل تاريخ مصر، بدأت فى القرن الأول الميلادي، لكن رغم ذلك فجذور الثقافة القبطية تمتد لعصور مصر الفرعونية.

كلمة قبطي مشتقة من الكلمة اليونانية Αἴγυπτος "أجيبتوس"، التي اشتُقَّت بدورها من كلمة “هيكابتاه”، وهو أحد أسماء ممفيس، أول عاصمة لمصر القديمة، أي أن كلمة "قبطي" فى الأصل معناها "مصري" ذلك قبل أن يشار بها  إلى المسيحيين المصريين، فقد ارتبط تاريخ مصر القبطي بالتاريخ الدينى للمسيحية فى مصر ، رغم أن تاريخ الأقباط هو تاريخ حضاري فى المقام الأول وليس تاريخا دينيا وإن كان الدين بطبيعة الحال عنصر مهم من عناصر الثقافة وتحديداً في ثقافة المصريين الذين وصفهم هيرودوت بتدينهم  لأقصى الحدود. 

من سوء حظ المرحلة التاريخية القبطية تواجدها بفترة احتلال أجنبى لمصر ، لكن على الرغم من ذلك استطاعت الثقافة القبطية أن تستمر وتتعايش مع هذا الاحتلال بدرجة كبيرة من الاستقلالية رغم الضغوط القاسية التي فرضها هذا الاحتلال، ومن أبرز مظاهر هذا العصر انتشار نزعة الزهد بين المسيحيين التى نتج عنها قيام الرهبنة وإنشاء الأديرة العديدة فى جميع أنحاء مصر.

اللغة القبطية

ما زالت تستخدم حتى الآن فى طقوس الكنيسة القبطية المصرية وهي آخر مرحلة من مراحل تطور اللغة المصرية القديمة التي كان المصريون يكتبون ويقرأون بها من 5000 سنة، واستمر المصريون في استخدام لغتهم القبطية لعدة قرون بعد دخول العرب مصر ، و لا تزال حتى يومنا هذا  كلمات كثيرة من اللغة القبطية مستخدمة وما زال الفلاح المصرى مسيحى أو مسلم يستخدم التقويم القبطي في تنظيم زراعة أرضه، إذ يظهر بوضوح تأثير التراث المصرى القديم فى الفن والأدب القبطى.

تاريخ أقباط مصر بمفهومه الاثنولوجى (العنصرى) ومفهومه الثيولوجى (الدينى) هو تاريخ مصر الذي مر على كل المصريين منذ بداية تاريخها حتى الآن، في الفترة الرومانية دخلت المسيحية مصر فى منتصف القرن الأول الميلادى على يد مار مرقس، والتف المصريون في عصور الدولة البطلمية والرومانية قبل دخول المسيحية مصر حول معابدهم وكهنتهم وكانت المعابد المصرية في الصعيد والدلتا بعيداً عن الإسكندرية هى الملجأ للحفاظ على هويتهم القومية.

كان لدخول المسيحية مصر أثر سلبي على الثقافة المصرية القديمة واللغة المصرية رغم أن الكنائس احتفظت بشكل من أشكال اللغة المصرية القديمة، ولكن اللغة القبطية استخدمت الحروف اليونانية ما تسبب في فقدان المصريين القدرة على القراءة بالديموطيقى فضاع تاريخ مصر القديم وتحول لطلسم من الطلاسم، حتى تمت إعادة اكتشافها فى منتصف القرن التاسع عشر  على يد شامبليون بعدما تمكن من فك شفرة الحروف المصرية القديمة.

من جهة أخرى خلقت المسيحية حالة من العداء للثقافة المصرية القديمة التي اعتبرتها وثنية وبهذا الشكل دُمرت معابد فرعونية وبطلمية كان منها معبد سيرابيس وتحولت معابد أخرى لكنائس وصوامع، ورغم استمرارية القومية المصرية وتاريخ مصر ، خلق دخول المسيحية، مصر نوعا من الانفصام ما بين مصر المسيحية ومصر القديمة وأصبح تاريخ مصر يبدأ عند الأقباط منذ توقيت مار مرقس.

انتشار المسيحية في مصر

في بدايات العصر المسيحي، لم يكن كل الأقباط بالمعنى الاثنولوجى مسيحيين ولم يكن كل المسيحيين أقباطا فانقسم المصريون أو الأقباط لطائفتين، طائفة المسيحيين وطائفة أتباع الدين المصري التقليدي الذين ظلوا على دينهم، ومع مرور الوقت زادت أعداد المسيحيين الأقباط وقلت أعداد الأقباط من اتباع الدين المصري التقليدي، و الذي كان أحياناً بسبب الاقتناع بالدين الجديد وأحيان أخرى بسبب ضغوط من الأقباط الذين اعتنقوا المسيحية.

ظلت المسيحية تنتشر في مصر وتنتشر وتوغلت حتى أقصى الصعيد الذي كان دائماً بؤرة القومية المصرية ومع حلول القرن الثانى الميلادى أصبحت هناك خلطة دينية في مصر، الديانة المصرية، الديانة اليونانية، الديانة الرومانية الرسمية، الديانة الموسوية، الديانة المسيحية الجديدة.

مع أواخر القرن الثاني الميلادي أصبحت مراكز عبادات الديانة المصرية القديمة جزر متناثرة وسط بحر مسيحي، وفى تلك الفترة ظهر إنجيل للمصريين وتأسست كنيسة في الإسكندرية برئاسة أسقف مصري اسمه ديمتريوس (189 - 231).

منذ بداية القرن الثالث انتشرت المسيحية فى مصر بشكل واسع خاصة في الصعيد الأعلى والصعيد الأوسط (الفيوم والبهنسا)، وكلما زاد اضطهاد الرومان كلما زاد التفاف المصريين حول دينهم الجديد واستمرت مقاومة الأقباط بعد اضطهادات ساويرس في بداية القرن الثالث التي نُكل فيها بالأقباط تنكيلا رهيبا، واضطهادات كاركلا فى 211 الذي أصدر قوانين صلب الأقباط المعارضين ورميهم للوحوش المفترسة وذبح أعداد كبيرة من أقباط إسكندرية، وللحديث بقية.. 

search