دينا شرف الدين تكتب.. «لمحات من مصر على مر العصور» (مصر الرومانية 2)
دينا شرف الدين
واستكمالاً لملامح مصر بالعصر الروماني، فقد ترك الرومان للمصريين الحرية في ممارسة عقيدتهم، ولم يتدخلوا أو يحدوا من حرية المعتقدات، وكانت مصر كغيرها من الولايات الرومية تدين بالدين الوثنى، وظل المصريون ينعمون بهذه الحرية إلى أن نشأت المسيحية في فلسطين، وكانت مصر في طليعة البلاد التي دخلتها الديانة المسيحية في منتصف القرن الأول الميلادي، على يد القديس (مرقس) لقربها من فلسطين.
أخذت المسيحية في الانتشار تحديداً في الإسكندرية والوجه البحري ثم انتشرت تدريجيا في جميع أنحاء مصر خلال القرن الثاني الميلادي، مما زاد من مخاوف الرومان فبدأت سلسلة تعذيب المسيحيين من المصريين الذين تركوا الوثنية التي كانت الدين الرسمي للدولة.
وأخذ الاضطهاد في التزايد خلال عهد الإمبراطور سفروس (193_211م) ثم بلغ ذروته في حكم الإمبراطور دقلديانوس (284-305م) إذ كان يرغب هذا الإمبراطور في أن يضعه رعاياه موضع الألوهية، حتى يضمن حياته وملكه، فقاومه المسيحيون في ذلك، مما دفعه إلى تعذيبهم، في حين صمد المصريون في مقاومة هذا الاضطهاد بقوة وعناد، وقدمت مصر في سبيل عقيدتها أعدادًا كبيرة من الشهداء مما حمل الكنيسة القبطية في مصر على أن تطلق على عصر هذا الإمبراطور (عصر الشهداء).
«قسطنطين الأول» : (306_337م)
خفتت حدة هذا الاضطهاد للمسيحيين في عهد الإمبراطور قسطنطين، وأصبحت المسيحية دينًا مسموحًا به في الدولة كبقية الأديان الأخرى.
وأصدر الأمير تيودوسيوس الأول (378_395م) في سنة 381م مرسومًا ينص على أن المسيحية هي دين الدولة الرسمي الوحيد في جميع أنحاء الإمبراطورية.
أول حاكم لإجيپتوس (كايوس كورنيليوس كالوس)
وضع الصعيد تحت السيطرة الرومانية بقوة السلاح، وأسس محمية في منطقة الحدود الجنوبية، والتي كان قد هجرها البطالمة المتأخرون.
الحاكم الثاني (إليوس كالوس)
الذي قام بحملة غير ناجحة لإخضاع بترا العربية، ولم يخضع ساحل مصر على البحر الأحمر قط للسيطرة الرومانية حتى عهد كلوديوس.
الحاكم الثالث (كايوس بتونيوس)
الذي طهّر قنوات الري المهمـَلة، مما أنعش الزراعة.
وبدءاً من عهد (نيرون)
شهدت مصر عصراً من الازدهار دام قرناً، كانت معظم المشاكل سببها صراعات دينية بين المسيحيين واليهود، خصوصاً في الإسكندرية.
في عهد (ماركوس أورليوس)
أدت الضرائب المرهقة إلى عصيان عام 139، من المواطنين المصريين، والذي لم يتم إخضاعه إلا بعد عدة سنين من القتال، نتج عن هذه الحرب الريفية ضرر هائل بالاقتصاد وسجلت بداية الهبوط الاقتصادي لمصر.
«أفيدوس كاسيوس»
الذي قاد القوات الرومانية في الحرب، إذ أعلن نفسه إمبراطوراً، وقد اعترفت به جيوش سوريا وإجيپتوس، إلا أنه لدى اقتراب ماركوس أورليوس، قد اُزيح عن الحكم وقـُتـِل ورأفة الإمبراطور هي التي استعادت السلم في البلاد مرة أخرى.
منح (كاركالا) الجنسية الرومانية لجميع المصريين، مساواة لهم بباقي سكان الأقاليم، إلا أن ذلك الإجراء كان في الأساس لفرض المزيد من الضرائب، التي أصبحت تتزايد بشكل مرهق، كلما تزايدت حاجة الأباطرة اليائسة للمزيد من الدخل.
نشبت سلسلة من العصيانات، عسكرية ومدنية، طوال القرن الثالث.
وفي عهد (دقيوس)
عانى المسيحيون مرة أخرى من الاضطهاد، إلا أن ديانتهم استمرت في الانتشار.
(زنوبيا) ملكة تدمر، استولت على مصر من الرومان في 269، معلنة نفسها ملكة عليها،
إذ أعلنت هذه الملكة المقاتلة، أن مصر هي موطن أجدادها من خلال رابطة عائلية بكليوباترا السابعة، ولقبت نفسها وابنها الشاب لقبين ملكيين هما "أوكستا" و"أوكستس".
وقد كانت جيدة التعليم ومطلعة على ثقافة مصر، وديانتها، ولغتها، إلا أنها فقدت مصر لاحقاً عندما قطع الإمبراطور الروماني، أورليان، علاقات الصداقة بين البلدين واستعاد إجيپتوس في 274 بعد حصار غير ناجح دام أربعة أشهر لدفاعات زنوبيا القوية، لكن كانت هزيمتها لنضوب إمداداتها من الغذاء.
«مظاهر الحضارة الرومانية في مصر»
يُعتبر فنُّ العمارة الرومانية حصيلةً لمزيج الفنون والحضارات السابقة لها، وأهمها الحضارة الإغريقية؛ إلا أن العمارة الرومانية تميَّزت بطابعٍ خاصٍ ومختلفٍ عمّا سبقها من حضارات، وتعد أهم هذه الفنون المعمارية:
«حصن بابليون»
يقع حصن بابليون في القاهرة بحي مصر القديمة عند محطة مار جرجس لمترو الأنفاق وكان الإمبراطور تراجان قد أمر ببنائه في القرن الثاني الميلادي، في عهد الاحتلال الروماني لمصر، وقام بترميمه وتوسيعه وتقويته الإمبراطور الروماني أركاديوس في القرن الرابع حسب رأي العلامة القبطي مرقص سميكة باشا.
«المسرح الروماني»
يوجد هذا المسرح في مدينة كوم الدكة، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الرابع للميلاد، وهو يشبه في شكله العام شكل حدوة الحصان أو الحرف (U) بالإنجليزيّة.
«مقبرة كوم الشقافة»
تُعرف هذه المقبرة بأنّها أكبر المقابر الرومانيّة الموجودة في الإسكندريّة، وتعود للقرن الثاني للميلاد، وتقع على الحدود الجنوبيّة الغربيّة للإسكندريّة القديمة، وقد اُكتشفت هذه المقبرة عن طريق الصدفة في عام 1892م، وتم الكشف عنها نهائياً في عام 1900م.
«عمود السواري»
وهو أحد أشهر الآثار الرومانيّة الموجودة في الإسكندريّة، إضافةً لكونه آخر الآثار المتبقية من معبد السيرابيوم؛ الذي تم تأسيسه على يد الملك بطليموس الثالث، ويقع عمود السواري بين منطقة مدافن المسلمين الحالية المعروفة باسم مدافن العمود وهضبة كوم الشقافة الأثرية، ويصل طوله إلى حوالي 27 متراً، وهو مصنوعٌ من حجر الجرانيت الوردي.
«معبد القيصرون»
بدأت الملكة كليوباترا السابعة ببناء هذا المعبد بهدف تكريم ماركوس أنطونيوس؛ ولكنها توفيت قبل أن تنتهي من بنائه؛ فقام الإمبراطور أغسطس بإتمام بنائه ثم خصّصه لعبادته، وقد تدمّر المعبد بالكامل لاحقاً ولم يبقَ منه سوى مسلتين عُرفتا باسم إبر كليوباترا، وقد نقلت المسلة الأولى عام 1877م إلى لندن؛ حيث وُضِعت على ضفاف نهر التايمز، أما المسلة الثانية فقد نقلت عام 1879م إلي الولايات المتحدة ووُضِعت في حديقة سنترال بارك.
«معبد الرأس السوداء»
بُني هذا المعبد في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الميلادي على يد القائد الروماني إيزادورس؛ كشكرٍ وتقديرٍ للإلهة إيزيس، وقد تم اكتشافه في عام 1936م أثناء رفع الرمال من منطقة الرأس السوداء، وهو المعبد الوحيد الذي وُجد في الإسكندرية.
وللحديث بقية
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً