الدكتور وليد عتلم يكتب.. في رثاء إيهاب جلال
الدكتور وليد عتلم
موسم حزين للرياضة المصرية عامة، وكرة القدم خاصة؛ رحيل الطيب أحمد رفعت، ثم الخلوق إيهاب جلال. لا أجد أفضل من كلمات الكاتب والروائي محمد توفيق، لأنعي بها الراحل إيهاب جلال؛ توفيق كتب على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "لا تكن مثل إيهاب جلال!، لا تكن حملًا بين الذئاب.. ونبيلًا مع الأنذال.. ومبدعًا بين مدعين.. ومنظمًا وسط مجموعة من الفهلوية. ألف رحمة ونور عليك يا كابتن إيهاب.. وعلى الأخلاق".
مشكلة إيهاب جلال، وكل إيهاب جلال في مجتمعنا، أنه قرر أن يكون نفسه، أن يكون مختلفا، أن يكون مميزا، مخلصا، متفانيا، الطيبون يرحلون سريعاً وبهدوء ويغادرون بصمت، والمميزون أيضا. تميز إيهاب جلال وتفانيه، وإخلاصه في عمله لم يعجب البعض حتى داخل الإسماعيلية نفسها.
حال إيهاب جلال، من حال كثيرون يشبهونه في كل مجال، يدفعون ثمن تميزهم واخلاصهم، في مواجهة شلل المدعين وأصحاب المصالح. جلال مثل أحمد رفعت ضحية؛ اغتالته لجان التشويه الإلكترونية، بالتشكيك في قدراته تارة، وفي سمعته تارة أخرى، وانساق وراء تلك اللجان دراويش التريند في الإعلام الرياضي، ليرحل عن تدريب المنتخب الوطني بعد مباراتين فقط، لكن مع غصة وآلم في قلبه، ثم عادت نفس تلك اللجان لتغتاله مرة أخرى في بورسعيد مع النادي المصري.
لذلك كان التحدي كبيرا وضاغطا مع النادي الإسماعيلي؛ أولا لظروف وأوضاع النادي الصعبة نتيجة ممارسات مجالس الإدارة السابقة، وثانيا تحدي إيهاب جلال مع إيهاب جلال، تحدي إثبات الذات والقدرات وعودة الثقة للنفس، فكان الضغط عظيما ومؤلما على هذه النفس الوديعة الهادئة.
بحكم قربي من الأعزاء في مجلس إدارة النادي الإسماعيلي، كنت أعلم مدى حجم المسؤولية الصعبة في ضوء ظروف النادي والتركة الثقيلة التي ورثوها، ولم يكن أفضل من إيهاب جلال لتحمل هذا العبء في مواجهة شعب الإسماعيلية، لم تسنح لي فرصة التعرف على جلال عن قرب، لكني عرفته من إشادة الجميع به، وبأخلاقه ووداعته. وعرفته أكثر من جنازته.
كل جنازة هي مرآة تعكس كيف كان صاحبها، وجنازة إيهاب جلال، كانت حقيقية كصاحبها، مشاعر حزن صافية وحقيقية، لا رياء فيها، حتى من هؤلاء الذين دأبوا على تشويهه والهجوم عليه، تحسروا على رحيله، وشعروا بفداحة ما كانوا يصنعون في تلك النفس الطيبة.
حتى هؤلاء من لا يعرفون إيهاب جلال عم قرب، حزنوا عليه، هو طيب نقي يشبه عموم المصريين في طيبتهم وأصلهم، لذلك كان التعاطف والحزن كبير وعميق.
إيهاب جلال، قدم لنا نموذجا لكيف يكون المدير الناجح الداعم لموظفيه، انظر لحزن وحالة الانهيار التي كان عليها ـــــ ليس فقط لاعبو النادي الإسماعيلي ـــــ بل كل لاعب عمل مع الراحل إيهاب جلال، لتعرف حجم الأثر الطب الذي تركه الراحل في نفوس هؤلاء، وكم هو أثر إيجابي.
أحمد رفعت، ومن بعده إيهاب جلال، صرخة وإنذار لإصلاح وتطهير عميق للوسط الرياضي ومنظومته وإعلامه، في هذا السياق أرجو أن تبدأ الشركة المتحدة وتقود عملية الإصلاح انطلاقا من توصيات منتدى الإعلام الرياضي الذي تزامن عقده مع وفاة جلال.
وهي مجملها توصيات مهمة تعيد الإعلام الرياضي إلى مساره الصحيح، خاصة التوصيات المتعلقة بضبط الأداء الإعلامي لمنصات الأندية سواء الرقمية أو التليفزيونية للبعد عن الاستقطاب والتعصب.
وأهمية المعالجة الإعلامية التي تقلص التعصب وتنشر الروح الرياضية. وضرورة الفصل بين الرأي والخبر في أي محتوي يُقدم عبر جميع أنواع المنصات. والتفاعلات التي يقوم بها الإعلاميون والصحفيون الرياضيون على وسائل "التواصل الاجتماعي" يجب أن تتبع أيضًا القواعد المهنية في التغطية.
حان الوقت أن يكون الإعلام الرياضي منصة لتصحيح ما تنضح به صفحات السوشيال ميديا، وليس منقادا خلفها.
حان الوقت لإنسانية النقد، وأن تكون هناك معايير مهنية وإنسانية وحدود لذلك النقد، الذي تحول في الوسط الرياضي إلى تصفية حسابات ممنهجة تتم على الشاشات والإذاعات على مدار الساعة.
خالص عزائي لأسرة الراحل إيهاب جلال وعزاء خاص لمجلس إدارة النادي الإسماعيلي، المهندس نصر أبو الحسن رئيس مجلس الإدارة، والعزيز مصطفى شلة أمين صندوق النادي لخسارتهم الكبيرة لهذا الكادر الذي لا يعوض في ضوء ظروف النادي الصعبة. وسؤالي لمسئولي الرياضة المصرية، متى نضع نظاما عادلا ينهي معاناة الأندية الشعبية التاريخية؟؟.
ورسالتي لمحبي وجماهير النادي، التفوا خلف ناديكم، ودعموا مجلس الإدارة في هذا التوقيت الصعب، ولكل مشجع قبل أن تنطلق أصابعك إلى لوحة مفاتيح هاتفك للإساءة والنقد لمجلس إدارة أو مدرب أو لاعب، سواء عن حب أو عن عمد، تذكر أن منشورك المسيء الجارح قد يؤذي نفسا ويفسد عملا، ويضيع جهدا.
الكرة والرياضة عامة للتنافس والمتعة لكنها مع الأسف أصبحت أداة للإيذاء والإضرار. رحم الله إيهاب جلال وكل إيهاب جلال.
أخبار ذات صلة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً