الخميس، 19 سبتمبر 2024

04:53 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

د. وليد عتلم يكتب: هل انتهت الحرب في غزة؟

د. وليد عتلم

د. وليد عتلم

A A

أعلنت هيئة البث الإسرائيلية، نقلا عن قادة عسكريين في جيش الاحتلال، أن القيادة العسكرية أبلغت المستوى السياسي بأن العمليات العسكرية في قطاع غزة انتهت "بشكل عام". وأنه يمكن لإسرائيل دخول غزة مرة أخرى عندما تتوفر معلومات استخباراتية جديدة، بما يعني أن الوقت ملائم لإبرام صفقة لتبادل الرهائن، فهل يعني ذلك نهاية الحرب في غزة؟ وهل لم يعد لدى إسرائيل ما تكسبه في غزة من خلال القوة؟
 

الواقع أنه يمكن الإجابة على هذا السؤال من أكثر من مستوى؛ وهي مستويات متشابكة ومرتبطة ببعضها. لو أخذنا مثلا مستوى الأهداف الإسرائيلية من الحرب، فالهدف الأكبر والأول للحرب على غزة تمثل في تحرير الرهائن، ثم القضاء على حماس وقادتها خاصة الضيف والسنوار، فماذا حققت إسرائيل من تلك الأهداف؟
 

وفيما يتعلق بالرهائن والقضاء على حماس؛ فإذا كانت إسرائيل تقول إنها نجحت في تقويض القدرات العسكرية لحماس (وفقا للمصادر الإسرائيلية نحو 14 ألف مقاتل في غزة ما بين قتيل وأسير) بما يعني تأثر الحركة في الحرب الممتدة لما يزيد على الـ 10 أشهر، وهو أمر طبيعي في ضوء خلل الموازين العسكرية بين الفصائل وقدراتها العسكرية، وآلة الحرب الإسرائيلية المدعومة أمريكيا بأحدث تكنولوجيات التسليح. 
 

لكن رغم ذلك فشلت إسرائيل في الوصول إلى السنوار، وتقول إنها نجحت في اغتيال "الضيف" لكن حماس نفت ذلك.
 

والأهم من ذلك أن واحدا من الأهداف الرئيسية للحرب متمثلا في تحرير الرهائن المحتجزين لدى حماس، لم تنجح إسرائيل في تحقيقه بالقوة العسكرية، لايزال هناك 115 رهينة (أحياء وأموات) في أنفاق غزة من إجمالي 251 تم أسرهم خلال هجمات السابع من أكتوبر، ما يجعل الكيان العبري مضطراً للتفاوض عبر الوساطة الثلاثية من أجل تحرير رهائنه.
 

على المستوى السياسي؛ رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يعمل على إفشال المفاوضات بهدف إطالة أمد الحرب، أملا في تحقيق انتصارات عسكرية كبيرة، كأن يتم تحرير كامل الرهائن من خلال العمليات العسكرية، أو اغتيال يحيي السنوار باعتباره العقل المدبر والمنفذ الأول لهجمات السابع من أكتوبر؛ وهو ما يعني تحقيق انتصارات سياسية له، تمكنه من البقاء على رأس الحكومة لأطول فترة وبما يعمل على توفير خروج آمن له يعفيه من المساءلة السياسية عن هجمات السابع من أكتوبر، كما أنه ملاحق قضائيا داخليا بتهم الفساد، ودوليا بتهم الإبادة الجماعية، لكن سارت الرياح بما لم تشته نفس نتنياهو، فلجأ إلى سياسة الاغتيالات باستهداف القادة في حماس وحزب الله، يريد أن يوسع نطاق التصعيد وتحويل الحرب في غزة إلى حرب الساحات المتعددة، وكأن العالم له وحده.
 

غير أن استمرار فترة الحرب، ومع ما ينتج عنها نزيف للاقتصاد الإسرائيلي، والفشل حتى الآن في تحرير الرهائن، نتج عنه ضغوط داخلية كبيرة تمثلت في عائلات الرهائن، والصدع الكبير في الحكومة الإسرائيلية، ما بين وزير الدفاع جالانت من جانب، وصقور الحكومة إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش من جانب آخر.
 

فبينما خرج وزير الدفاع بتصريحات يمكن القول بأنها فضحت نوايا نتنياهو ومناوراته وشككت في هدف نتنياهو المتمثل في "النصر الكامل" على حماس. والذي أشار فيها إلى أن "إسرائيل هي سبب تأخير إبرام الصفقة والحديث عن انتصار مطلق محض هراء، وأن موقفه هو والأجهزة الأمنية الذهاب نحو تسوية". 

وهي تصريحات إذا تم ربطها بالإعلان عن نهاية العمليات في غزة، فإنها ذات دلاله عن مستوى الصراع والخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية، وحجم الهوة بين القرار السياسي الإسرائيلي، والإدارة العسكرية الميدانية، خاصة أن جيش الاحتلال قد أنهك بشكل أو بآخر، وإسرائيل لم تخض حربا طويلة الأمد على هذا النحو منذ نكسة يونيو 1967، هذا الأمر كشفت عنه هيئة البث الإسرائيلية التي أشارت إلى أن قادة الفرق الأربع التابعة للقوات الإسرائيلية العاملة في قطاع غزة قالوا، في نقاش مع نتنياهو، إن الجنود الإسرائيليين باتوا منهكين لدرجة "الاحتراق" بعد 9 شهور من القتال العنيف في غزة.
 

وأكد قادة الفرق الإسرائيلية وجود "تبرّم وانتقادات" في صفوف مقاتلي وقادة قوات الاحتياط الإسرائيلية العاملة في غزة، بسب ما يعتبرونه "عدم مساواة في الأعباء وعدم كفاية بالأجور"، محذرين من أن ذلك له "تأثير سلبي" على أداء القوات الإسرائيلية في ميدان القتال.
 

في المقابل نجد أن كلا من بن غفير وسموتريتش يهددان بإسقاط الحكومة الائتلافية إذا دخل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اتفاق بشأن غزة، خاصة أنه يمكن لنتنياهو الموافقة على وقف النار الآن، أثناء العطلة الصيفية للكنيست، الذي لن يتمكن من الاجتماع لسحب الثقة من حكومة نتنياهو قبل نهاية سبتمبر القادم.
 

فالتيار اليميني المتطرف وصقور الحرب في إسرائيل يرون أن وقف الحرب الآن، هو بمثابة الكارثة لأمن إسرائيل، وأنه إذا توقفت الحرب الآن بينما لم يتم القضاء الكامل على حماس، فإنها تستطيع إعادة تنظيم صفوفها واستعادة قدراتها مرة أخرى، خاصة مع استمرار الدعم اللوجيستي والعسكري الإيراني، غير أن الأوساط ودوائر السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكية والإسرائيلية المعنية بالأزمة، ترى أن انخراط حماس في المساعي الثلاثية أو ما أراه "اتفاق الفرصة الأخيرة" وقبول ما كانت ترفضه منذ أسابيع بحسب رؤيتهم، هو دلالة على مدى الضرر البالغ الذي لحق بالحركة ميدانيا على المستوى العسكري، أو سياسيا بعد اغتيال إسماعيل هنية واستهداف وتصفية العديد من القادة في غزة.

بالتوازي مع ذلك كله يضغط الحليف الأمريكي بكل ما أوتي من قوة، لإقرار اتفاق يحفظ ماء وجه الإدارة الديمقراطية ويسترها أمام الناخبين في الانتخابات القادمة، ويقلص مساحات المزايدة لدى الرئيس السابق ترامب فيما يتعلق بورقة أمن إسرائيل، واستقرار الشرق الأوسط. 
 

لذلك الرئيس بايدن أكد ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن غزة بحلول نهاية الأسبوع المقبل، والعنوان العريض الرئيسي للجهود الأمريكية " بايدن لمفاوضي وقف إطلاق النار بشأن الرهائن: احصلوا لي على صفقة". 
 

والمبدأ الرئيسي لتلك الجهود تحت شعار: إما صفقة ووقف لإطلاق النار، أو حرب إقليمية شاملة، وهو هنا يسابق الزمن أيضا قبل أن تشرع كل من إيران وحزب الله في ردهما المزعوم على اغتيال كل من هنية وشكر، هذا كله يضع نتنياهو بين شقي رحى داخليا وخارجيا.
 

كل هذه المحددات المعقدة شديدة التشابك لا تعني نهاية الحرب في غزة، وأنه كما أعلنت العسكرية الإسرائيلية أنه يمكن العودة لغزة في أي وقت طالما استدعت الحاجة لذلك وفقا لمعلومات استخباراتية، وأن سياسة التصفية والاغتيالات لقادة وعناصر الفصائل مستمرة ودون هوادة، بل على العكس هذه المحددات تفتح الباب أمام العديد من التساؤلات الصعبة أيضا، والتي لم تجد إجابات شافية على مدار العشرة أشهر الماضية، أول تلك الأسئلة ما يتعلق بما الذي يعنيه وقف العمليات العسكرية بشكل عام؟
 

وثاني تلك الأسئلة هل وقف العمليات دائم أم مؤقت فقط؟ وما هي العملية السياسية التي ستتبعه؟ 
والسؤال الأهم والأكثر صعوبة حول سيناريوهات اليوم التالي للمعركة، الدولة المصرية هي الوحيدة التي أجابت على هذا السؤال وفق رؤية شاملة مفادها أن أية ترتيبات نهائية لابد أن تتضمن "حلا سياسيا لكل فلسطين" لا لغزة فقط، وهو الحل القائم على الدولتين، دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو، وعاصمتها القدس. 
 

هنا مصر تستهدف حلًا عادلًا وشاملًا يضمن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، من خلال إقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. 
 

لذلك؛ التصور المصري لليوم التالي للتصعيد الإسرائيلي - الفلسطيني الراهن على عكس كل السيناريوهات الغربية، يقوم بالأساس على ضرورة وقف إطلاق النار، وأن الحديث يجب ألا يقتصر على اليوم التالي في قطاع غزة، بل يجب أن يشمل القضية الفلسطينية، باعتبار أن الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة وحدة سياسية تشكل معًا الدولة الفلسطينية.
 

search