السبت، 05 أكتوبر 2024

08:09 ص

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

رئيس مجلس الإدارة

محمد رزق

رئيس التحرير

أمين صالح

الدكتور محمد فؤاد يكتب: «مصر والبريكس.. سياسة أم اقتصاد؟»

الدكتور محمد فؤاد

الدكتور محمد فؤاد

A A

طالعتنا القنوات الإخبارية والصحف أمس، بإعلان مجموعة بريكس تعزيز صفوفها بانضمام ست دول جديدة بينها مصر، ودعوتها إلى الانضمام إلى هذا التكتل بداية من يناير 2024، ضمن خطوات توسعية لتشكيل بريكس+.

لفت انتباهي أن بعض هذا التناول للحدث، قد صوَّر دعوة وانضمام مصر، وكأنه انتصار على الدولار أنهى هيمنته، وحل فعلي وعاجل للأزمة الاقتصادية التي تعانيها الدولة، عبر تعزيز قيمة الجنيه بشكل لحظي، بالإضافة إلى استثمارات وقروض بنك التنمية التابع للمجموعة، التي سوف تنهال علينا.

وتزامن ذلك مع سرديات متعددة عبر منصات السوشيال ميديا المختلفة، اعتبرت الأمر وكأنه فتح اقتصادي كبير سوف ينهي أزمة التضخم وغلاء الأسعار.. وإزاء كل ذلك وجب الحديث بشكل موضوعي عن هذه الخطوة، حتى نستبين تبعاتها دون تهويل أو تهوين.

الميزان التجاري مع دول المجموعة

في البداية، فبيانات المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خلال 2022، تظهر ارتفاع قيمة الصادرات المصرية لدول مجموعة البريكس لتسجل 4.9 مليار دولار، مقابل 4.6 مليار خلال 2021.

فيما بلغت قيمة الواردات المصرية منها نحو 26.4 مليار دولار خلال عام 2022، مقابل 23.6 مليار عام 2021، بما يعكس اختلالا واضحا وضخما في الميزان التجاري بين مصر ودول المجموعة.

وبشكل عام دون الارتباط فقط بالميزان مع بريكس، فاختلال الميزان التجاري يرتب مباشرة أزمة في ميزان المدفوعات ويؤدي إلى نقص حاد في النقد الأجنبي، كما أن له دورا في إخضاع الدول الضعيفة اقتصاديا من الناحية السياسية، فالكلفة هنا في حالة عدم موازنة العلاقات مع التكتلات المختلفة، لن تكون اقتصادية فقط.

واختلال الميزان التجاري مع أغلب دول المجموعة خاصة الصين - لصالحهم بالطبع- مع عدم قدرة حالية من جانبنا أو خطط مستقبلية على ضبطه بشكل متوازن، فالمحصلة لن تكون في صالحنا بالمرة، وسوف تظل قيمة التصدير متدنية عن أنها تلبي الاحتياجات من أي عملة كانت.

وهذا ما يشير إلى وجود احتمالية ليست ضعيفة لاستبدال تابعية الغرب بتابعية وسيطرة الشرق، إذا لم نعتبر أيضا بإشكالية مصر لسنوات طويلة قادمة في توفير دولار، لسد فوائد الديون والأقساط المستحقة.

أضف إلى ذلك، وجود تبعات متوقعة لهذه الخطوة على التعامل مع الدول الغربية ومؤسساتها النقدية خاصة البنك الدولي وصندوق النقد، اللذين تسيطر عليهما أمريكا بما يتطلب دبلوماسية مرنة للتعامل مع هذا الأمر، حتى نحقق مصلحتنا من الطرفين.

معنى ذلك أن هذه الخطوة ليست وردية كما يصور ويتصور البعض، ولا تمثل في ذاتها حلا لحظيا لمشكلاتنا، بل على العكس ففي حالة عدم الاعتبار لسلبياتها الكثيرة، فسوف تؤدي إلى مزيد من التردي الاقتصادي والتبعية السياسية.

انهيار الدولار

وبشكل غير جدلي، فالاعتماد على ما يصدره البعض بشأن انهيار الدولار عالميا كنتيجة لتوسع البريكس أو غيره، أمر مستبعد على المديين القريب والمتوسط، فغير متصور لأي دولة أن تتخلى بشكل كامل عنه في ظل تشكيله نحو 60% من الاحتياطيات النقدية للبنوك المركزية لدول العالم، واستخدامه في السواد الأعظم المعاملات التجارية بين الدول.

ناهيك عن تمحور البنية التحتية للنظام المالي العالمي الحالي حول الدولار، بجانب أن الاقتصاد الأمريكي هو الأكبر عالميا ومثله أسواق المال الأمريكية، مع غياب أي بديل واضح له يتمتع بمزايا منافسة يستطيع أن تزيحه عن هذه المكانة.

حتى إن إصدار عملة موحدة لدول البريكس يواجه اعتراضات قوية من الهند، وتطبيقها من الأساس يحتاج فترة زمنية وتمهيدات طويلة، أما الحديث عن التبادل بين دول البريكس بالعملات المحلية فهذا من الأمور المستبعدة، إن اعتبرنا على سبيل المثال رفض روسيا الحصول على قيمة صادراتها إلى الهند بالروبية الهندية، بسبب تراكمها في البنوك الروسية بمبالغ وصلت إلى مليارات، دون قدرة على تحويلها إلى عملات أخرى للاستفادة منها.

كيف نستفيد؟

بالطبع هناك رؤية لتحالف البريكس في أن انضمام مصر إليه سوف يحقق مصالح له في الأساس، خاصة من الناحية الجيو سياسية، أما عن استفادة مصر من ذلك فيتلخص الأمر في عدة نقاط منها إمكانية حصول مصر على تمويل من بنك التنمية التابع لتكتل البريكس، ما يتيح قنوات جديدة للتمويل بخلاف المؤسسات الدولية، وإن كنّا حاليا في حاجة إلى تقليل الديون ومعدل الاقتراض وليس البحث عن مصادر إقراض جديدة.

بالإضافة إلى وجود فرصة لزيادة حجم التبادل التجاري، حال استطعنا ضبط الخلل في الميزان التجاري بخطط مدروسة، وهو ما سوف يساهم في دعم الصناعة المحلية وزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى إمكانية زيادة الوفود السياحية من هذه الدول، ما يزيد الدخل القومي ويوفر فرص عمل.

لكن هذا أمر مرتبط بالأساس بترتيب البيت من الداخل ولن يحدث فقط بمجرد الانضمام لأي تكتل عالمي، فمصر عضو في الكوميسا مثلا ولا يتعدى حجم صادراتنا لدول المجموعة 10%؜.

تحالف سياسي أكثر منه اقتصادي

هناك تقديرات معتبرة تشير إلى أن مجموعة البريكس، وإن كان يغلب عليها الطابع الاقتصادي، إلا أنها تحالف سياسي شرقي في المقام الأول يحاول قدر الإمكان منافسة السيطرة الغربية، بما يقلل من فرص تحقيق مردود اقتصادي قوي بعد خطوة الانضمام إليه.

الإشكالية هنا، أن هذا التحالف من أصله هش سياسيا، خاصة مع الخلافات بين الصين والهند أو الخصومة الخفية بين الصين وروسيا، وأخيرا الصراع المستمر بين السعودية وإيران، بما يشير إلى المصالح المتباينة والعلاقات المضطربة بين الأعضاء وهو ما يضعف اتخاذ إجراءات متماسكة تناهض الغرب سياسيا أو اقتصاديا حتى.

حسنا فعلت مصر بالانضمام للمجموعة فكل خطوة من شأنها فتح مجال جديد، هي خطوة مهمة لكن فحوى الحديث، أنه يجب ألا نتفاءل بشكل مبالغ فيه من الانضمام إلى البريكس، ويجب ألا نعتبر الانضمام في حد ذاته حلا سحريا لأزمة الاقتصاد الوطني.

فحلول أزمتنا لا يمكن أن تتم إلا من داخل الدولة المصرية، حينما تتبنى سياسة اقتصادية واضحة تبني اقتصادا تشغيليا قويا منافسا وتقلل اعتماديتها على مؤثرات العالم الخارجي، وليس باستبدال البريكس بالغرب.

search