علاء عصام يكتب: "دومة" ظلم نفسه وظلمته الأقدار
النائب علاء عصام
علاء عصام
استقبلت اليوم خبر الإفراج عن أحمد دومه بسعادة بالغة، ويأتي ذلك ضمن توجه الدولة المصرية نحو الإفراج عن سجناء الرأي وكلنا أمل في مزيد من الإفراجات في الفترة المقبلة، وعلي الرغم من إختلافي مع أغلب وجهات نظر ورؤية "دومة" ومفهومه عن الدولة الوطنية، فكنت أتابع هذه الآراء قبل ثورة يناير في مقر حزب التجمع، عندما كان يزور "دومة" الحزب، ويلقي الشعر بحماس في أرجاء بيت اليسار، وشاركته في مظاهرات بميدان طلعت حرب، مثله مثل مختلف الشباب، للتنديد بممارسات الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني المقاوم.
واستمرت متابعتي للقاءاته الإعلامية ومواقفه الثورية إلي أن حكم عليه بخمسة عشر عاما، وأحاول من خلال هذا المقال أن أوضح بكل حيادية وتجرد، إلي أي قدر ظلم "دومة" نفسه بفتح الظاء، وإلي أي قدر ظلمت الأقدار هذا المناضل النقي.
ففي البداية كلي ثقة أن "دومة" كان يرفض الفكر السلفي والإخواني وواجه كل قياداتهم بشجاعة بالغة وكان يبحث عن وطن ينعم بالعدالة الاجتماعية والحرية، وعبر عن موقفه ذلك منذ اللحظة الأولي فلم يكن من أنصار "مرسي" أو واحدا ممن شاركوا في اجتماعات "فرمونت".
كما أنه على المستوي الإنساني والسلوكي، لم يحصل على أي أموال فاسدة سواء من الخارج أو الداخل، ويشهد على ذلك حياته العائلية وظروفه الصعبة، وهو الأمر الذي أؤكد من خلاله أن القوي الشعبية التي طالبت بالإفراج عنه كان كلها ثقة في أن "دومة" ابن النبتة الطيبة، والمؤمن بوطنه وحلمه العروبي في مواجهة القوي الامبريالية العالمية.
ورغم كل ذلك لم ألمس من "دومة" أي محاولة جادة لمعالجة المشكلات السياسية التفصيلية والجزئية والتعاطي مع القضايا الأساسية بذات القدر الذي كان يتحدث فيه عن رؤيته لرفض أخونه الدولة أو مقاومة الفساد أو إلي آخره من المشكلات، أو حتي بذات قدر مفهومه عن دور الدول الكبري في مقاومة مشاريع التنميه في العالم النامي واستغلال هذه الدول لثرواتنا.
كنت أري حماس شاب يصل به الأمر إلي حد التعبير عن المشكلات وحلها بمنطق الحلول الجذرية والضربة القاضية والتحرك في أي مشهد ثوري بدون تشكيل تنظيم سياسي أو ثوري بديل لهذه الجماعة الإرهابية، وهو الأمر الذي جعل ثوار "تمرد" وملايين المصريين يسعدون بموقف الجيش المصري الداعم لمطلبهم الأساسي وهو إسقاط عصابة الإخوان ومقاومة آثار هذا السقوط إلي جانب التعاطي مع المشهد العالمي الجديد.
نحن نشهد على مدار 15 سنة تراجع دول كبرى اقتصاديا وعسكريا، مثلما حدث في أوروبا والغرب عموما، وتقدم دول مثل الصين في ترتيبها اقتصاديا وعسكريا وحالة صراع عالمي في ظل عالم متعدد الأقطاب ومخاض جديد لشكل عالمي لا أحد يعرف نهايته أو شكله النهائي ولكنه بالتأكيد سيختلف عما سبق ولن تعد فيه أمريكا شرطي العالم أو الناتو هو التحالف الغربي المسيطر على الشرق الأوسط وإفريقيا.
كما ستظهر تحالفات دولية جديدة ومؤسسات اقتصادية مثل البريكس، بعد أن عشنا قرابة 70 عاما يتحكم البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية وقبلها منظمة "الجات" في مصائر شعوبنا، وأخيرا لم يعد الوطن العربي مثلما كان قبل يناير، فمازال يموج بالصراع والتقسيم وليست السوادان أو ليبيا أو سوريا أو اليمن بعيدة عن مصر.
ورغم كل هذه التحديات وأملنا في إنقاذ الوطن، كان دومة يبحث كيف يحقق كل أفكاره بشتي الطرق الثورية أو يغالي في حلوله الإصلاحية وكان يظن دوما في القضاء على كل المشكلات بالضربة القاضية، وطبعا في ظل هذا الصراع الداخلي والعالمي والإقليمي، ومحاولات عدة لتقسيم مصر وسيطرة الإرهابيين على جزء من العريش لفترة كبيرة إلي أن أنقذها الجيش المصري من حكم العصابة الإرهابية، وفي هذا الوقت لم تكن هناك فرصة أمام السلطة في مصر للتفريق بين الأنقياء مثل "دومة" وغير الأنقياء والممولين والعملاء والخبثاء الذين كانوا جزءا من مشروع هدم الدول.
في النهاية أعتقد أن دومة ظلم نفسه وظلمته الأقدار وكلي أمل أن يعود دومة بعد هذه التجربة القاسية لحياته الطبيعية، وأن يتعافي صحيا وأن يعود للمشهد السياسي بعقلية رجل الدولة المتفهم لخطورة عملية المخاض العالمي الذي سينتج عنه ولادة عالم جديد.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً