إسماعيل رفعت يكتب: شيخ اللحمة غلب شيخ الفتوى وتركوا الحديث عن الحج فاختطف السماسرة عقول البسطاء
إسماعيل رفعت - صحفي - دكتوراه الدراسات الجيوسياسية والانتخابات
بقلم - إسماعيل رفعت
لم ينتهي موسم الحج بعد، فرغم أداء الحجاج مناسكهم كاملة ولله الحمد، ونسأل الله لنا ولهم القبول، إلا أن الموسم مازال مفتوحا وسط زخم وفيات الحج، وجثث يجري البحث عنها أو نقلها بعد العثور عليها، وذلك بعد وفيات الحرارة القاسية، من قبل حجاج الزيارة، والعالم كله مشغول بالحج والحجاج، إلا أن “المسئول عن الدعوة” ومساعدوه مشغول باللحمة، جمعا وذبحا، ووعدا بالتوزيع، والتقاط الصور بالمجزر، وبات الشيوخ شيوخ لحمة، لا شيوخ فتوى، وليسوا شيوخ علم وتوعية البسطاء بالحج، وهي مسألة واجبه، وتعريف الناس متى يكون مستطيعا وتوعية أصحاب الشركات بالحلال والحرام.
وحيال عقل مشغول باللحمة هو ومساعدوه استنادا إلى خلفية العمل بجمعيات جمع الصدقات، انسحب الدعاة، من شرف التوعية بكتاب الله ودينه وتحصين البسطاء من الوقوع فريسة سهله للنصب والموت، ففقد روحه ونفسه وماله ومات غريبا أرهق أهله ووطنه، فلا عاش يتعبد ولا ترك ماله لذويه وسط حاجة الوطن والشعب لكل مليم، والمشايخ قد تحولوا من مجددين إلى محصلين وأعوان جزارين، فلا “اللحمة” كفت فقيرا، ولا حمت بسيطا، ولا هي مهنة أصيلة للداعية، لدرجة أن كتب الصحفي الزميل “صديق العيسوي” مقالا عبر أحد المنصات حول الصكوك كشاهد على ما يجري في محافظته الشرقية، التي تعكس السياسات والممارسات الفجة من الشخص وظله هناك، والمحصلة: لا الفقير شبع ولا الداعية جدد خطابه، بل جدد طرق التحصيل، ولا البسطاء حافظوا على المال والنفس، ولا الخطاب الديني شهد تجديدا، وشهدنا تبديد مال الناس وإنفاذ مال الوطن لاسعاف الأسر التي فقدت حجاجها بسبب الانتكاسة الدعوية والسمسرة الحرام للشركات، ولا يمكن للحمة أن تكون ربحا بديلا لذلك كله.
وهنا وبعد كل هذا الانسحاب والانسحاق، والضغط المتزايد على الدولة، التي تقف على الثغر الشرقي تحمي وتساعد، وفي الداخل تنفق لتخفف الأعباء، ليأتي الانتهازيين المغلبين لمصلحتهم والربح السريع على حساب النفس والمال الخاص، والمال العام الذي سيبذل لإصلاح واستعادة الحجاج المتوفين، وشغل المصريين عن مصالحهم بذويهم الذين قتلهم السماسرة، والمتخاذلة الذين ينشغلون بتصدير صورة تخدمهم، فلا الدين جدد ولا الفقير شبع، ولا البسطاء تنعموا بالحج الآمن، ولا ذويهم وجدوا ميراثا ينتفعون به، ولا هم عاشوا للتعبد أكثر، وسط ترك المهن الأصيلة إلى مهن الغير، فمن يعظ الناس إذن بأن الحج استطاعة: وجود المال، توفير التنقل والسكن الآمن، توفر تأشيرة دخول حج سليمة، الأمان على النفس والمال، وبات الناس بلا توعية بعد أن تحول الداعية إلى دليفري لحوم.
إن أبسط قواعد تجديد الخطاب الديني، أن ينشغل الدعاة والمسئول عنهم بالدين لا باللحمة، وأن ينتمون لمدارس فكرية متجانسة نبتت من قلب الوسطية، فلا يليق بداعية ارتدى قبعة تيار يميني، أن يرقى على زملائه ويقودهم، ولا يليق به أن يكون محل رفض للعمل بالدعوة في المحيط الأوربي ثم يرقى ويرقى، ولا يليق برموز الجمعيات اليمينية أن يكونوا في سدة العمل الدعوي، حتى لا نجد أنفسنا أمام “شيخ لحمة لا شيخ فتوى”، والناس تموت جهلا غرباء وصورتنا تشوه، وعلاقتنا بالأخوة تضار، وأموالنا تنفذ إنقاذا لمواقف فعلها جهلاء ببسطاء ونحن نذهب إلى المجزر لالتقاط صور مع لحمة لن تشبع فقيرا ولن تنقذ العامة، ولن تحل أزمة ولن تمنح الثقة لصاحبها وزملاء قدموا من جمعيات تحتاج إلى إعادة تقييم في باقة “لحمة لا فتوى”، فمال هؤلاء بالدعوة وأولى بهم مشاربهم الأولى.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في سوق العمل؟
-
نعم
-
لا
أكثر الكلمات انتشاراً